الرأي

 التغريب، نقيض بناء الدولة الوطنية…

محمد سليم قلالة
  • 1367
  • 7

مشكلتنا الأساسية في الجزائر هي مع التغريب قبل أي شيء آخر، هو أصل الاستبداد والداعم له وسبب الاضطهاد والمبرر له، وقبل هذا وذاك المدخل لنهب الثروات… وقد تَجدَّدَت أساليبه اليوم، وأصبح هدفه القضاء على ما بقي من أسس للدولة الوطنية بعد أن اعتقد أنه همّش الدين وأبعده عن الحياة السياسية منذ التسعينيات…

لم يحدث هذا بالنسبة لنا فقط، بل حدث أيضا لأكثر من شعب من الشعوب بما في ذلك غير لإسلامية. وكان لكل منها أساليبه للمواجهة. وكانت الصين وروسيا خير مثالين على ذلك. لقد نجحتا معا في مواجهة هذا التيار الهادف للقضاء على دولهما الوطنية ونهب ثرواتها بإتباع نفس المنهجية: العودة إلى القيم والدين والتقاليد التاريخية لإعادة بناء الدولة، أي رفض التغريب.

واستسلم الغرب اليوم لانتصار هذين البلدين، وفقد الأمل في أن يُصبحا ديمقراطيات ليبرالية غربية كما أراد.

 لقد شق كل منهما طريقه المستقل عن الغرب: روسيا باعتماد النظرية السياسية الرابعة القائمة على التراث التاريخي والمقّدس الروسي، والصين على الحضارة الاشتراكية الروحية القائمة على القيم والتقاليد الكنفوشيوسية. واستطاعا أن يبنيا ثقافتهما الوطنية واقتصادهما المستقل وقوتهما العسكرية الضاربة.

إلا أن هذا الغرب لم يفقد الأمل في بقية بقاع العالم وبخاصة في البلدان العربية والإسلامية، والجزائر إحداها. مازال مشروع التغريب قائما ويطمع في النجاح، ولأجل بلوغ هذا الهدف كل شيء مباح:  تشويه الإسلام والتلاعب بالوطنية وبالتاريخ وبالثقافة والهوية. كل ما تعلق بهذه المجالات ينبغي أن يكون مُستباحا، ليبقى هو المشروع البديل الوحيد..

وهذا الذي ينبغي التوقف عنده: إننا في حاجة إلى بناء نظام سياسي بمعالم خاصة بنا، وبقيم نابعة من خصوصياتنا الدينية والثقافية والتاريخية، أي إلى إحياء كل من الدين والوطنية وكل ما يرمز لهما بدل قبرهما من أجل مشروع التغريب المفروض.

بلادنا اليوم، في مرحلة تتم فيها محاولة فصل الوطنية والتاريخ عن السياسة، كما جرت محاولة فصل الدين عنها. وعلينا أن نَمنع ذلك. هناك موجة عاتية لتشويه تاريخنا القريب والبعيد والتشكيك فيه وفي رموزه، كما كانت هناك موجة عاتية لتشويه ديننا الحنيف والتشكيك في رموزه.

إن الديمقراطية الاجتماعية ينبغي بالضرورة أن تكون في إطار المبادئ الإسلامية أو لا تكون. وليست هناك طريق ثالث إذا أردنا أن نكون مستقلين كما الصين أو روسيا في اختيار نظامنا السياسي. لن نتمكن أبدا من استعادة شخصيتنا الوطنية ولا هيبتنا الدولية ولا مكانتنا الاقتصادية ولا قوتنا العسكرية دون ذلك.

إن قوتنا بداخلنا، ونحن الذين ينبغي أن نبتكر نظامنا السياسي. لا يوجد نظام سياسي عالمي نموذجي نأخذ به اليوم. حتى الروس أو الصينيين يقول منظروهم لنا لا تَتْبعونا: ابتكروا أنظمتكم السياسية… فقط لا تُقلِّدوا الغرب الليبرالي السائر نحو الأفول…

 وعلينا أن نفعل، بعيدا عن كل شوفينية أو انغلاق، لأن في ذلك تحقيق لمصلحتنا الوطنية ولوجودنا ذاته.

 إن التخلص من التغريب هو البداية الحقيقية للتخلص من الاستبداد وإعادة بناء الدولة الوطنية القوية والعادلة.

مقالات ذات صلة