-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التمِسُوا القدوة في سفر غزة

التمِسُوا القدوة في سفر غزة

من أعياه إيجادُ قدوةٍ صالحة في الصبر والاحتساب فليلتمسها في أهل غزة، فقد تجلت في هؤلاء المضطهَدين والمحاصَرين من قبل الكيان الصهيوني وأعوانه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم عن فئة من الناس، أوذوا فصبروا وفُتنوا فاحتسبوا. يقول الله تعالى: “ولنبلونَّكُم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون” (البقرة 155).

لقد تعرَّض أهل غزة في عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لأصناف الاستبداد والظلم التي لم يتعرض له شعبٌ في العالم، وابتُلوا بلاءً شديدا. لقد ابتُلوا بالخوف فلا يغمض لهم جفن، في الوقت الذي ينام فيه غيرهم ملء جفونهم. لقد أصبح الخوف من المجهول جزءا من يوميات أهل غزة، الخوف من هدم البيوت وتجريف الأراضي على حين غرة. لقد سكن الخوف قلوب أهل غزة لأنهم لا يثقون في عهود ناقضي العهود ولا يأمنون جانبهم. وابتُلي أهل غزة بالجوع، يبيتون على الطوى، والمحظوظ منهم من يعثر على رغيف أو بقايا رغيف، مما تلقيه الطائرات من الجو، الذي يسقط بعضه في البحر، ويتناثر بعضه الآخر في البر، ويلتقط بعضَه الآخر الجائعون الهائمون على وجوههم الذين أرهقهم رحلة الغدوِّ والرواح بحثا عن لقمة يسدون بها رمقهم، ويدفعون بها غائلة الجوع الذي يفتك بهم وبأبنائهم.

وابتُلي أهل غزة بنقص من الأموال، فليس لأكثرهم في ظل العدوان الصهيوني الغاشم عقدٌ على نقد، فالأموال شحيحة، ومن يمتلك شيئا منها لا يجد فيما يصرفه لقلة البضائع والسلع ولغلاء أسعارها أضعافا مضاعفة مقارنة بما كانت عليه قبل العدوان الصهيوني.

إن مما يدمي القلب ويُدمع الدمع أن تجد في غزة في هذه الأيام العصيبة رجلا ذا مرة، يمتلئ فتوة، لا يملك في جيبه فلسا، ليس لأنه متواكل بل لأن الاحتلال هدم كل المصانع والمعامل فأخرج أكثرها عن الخدمة، وما بقي منها لا يمكن الالتحاق بها لأن جنود الاحتلال يستهدفون كل ما يتحرك على الأرض.

وابتُلي أهل غزة في أنفسهم فلا تكاد تجد بيتا في غزة ليس فيه شهيدٌ أو جريح. وابتُلي أهل غزة بنقص من الثمرات رغم أن أرضهم مصدر لكل الثمرات، ففي غزة قبل الاحتلال جنات على مد البصر، ولكن الاحتلال جرفها فأصبحت صعيدا زلقا.

هذا بعض ما ابتُليت به غزة، ذكرته على عجل وعفوت عن كثير ، وهو دليل على أن أهل غزة هم منبع القدوة، وهي الشهادة التي أدلت بها  ناشطة أمريكية تحدّثت عن شعب طيب محتسب هو أحرى أن يكون شعب الله المختار: “أحد الأمور التي لاحظتها وربما لاحظتموها أنتم أيضا، تعلمون أن الشجرة تُعرف بثمارها، وقد لاحظت أن الفلسطينيين يحملون ثمارا حلوة، وإذا كان هناك إلهٌ فأعتقد أن الفلسطينيين والمسلمين هم شعب الله المختار. هناك دلائل على وجود الله بينهم، في سلوكهم، في قلوبهم، في رحمتهم. إنهم شعبٌ جميل حقا. لقد قضيت إحدى عشرة سنة في كنيسة مسيحية محافظة ولم أر هذا النوع من الثمار. إنهم يُظهرون هذه القداسة التي تجعل الأمور أسوأ، لأن قوى الشر ترتكب أعمالا وحشية ضد هؤلاء الأشخاص اللطيفين، وأعتقد أن هذا ما يدفعنا إلى بذل مزيد من الجهد والنضال من أجل تحقيق العدالة لأنهم يستحقون ذلك. لم يفعلوا أي شيء خاطئ، وإذا كان هناك إلهٌ فهؤلاء هم شعبه”.

أهل عزة هم منبع القدوة التي يجتهد بعض المربين في التماسها في النظريات الغربية، فلا يلوون في النهاية على شيء، ويعجزون عن تكوين جيل سويّ. إن القدوة سلوكٌ يقتدى وليست نظريات صماء، فلا يصلح أن يكون قدوة إلا من سبر الحياة وابتُلي بلولائها فصبر عليها، فمن أراد القدوة فليلتمسها في سفر غزة، سفر العذاب والاحتساب الذي ينبغي أن ينهل منه كل من أعيتهم الحياة وكل من يتلمس طريق النجاة.

أهل غزة هم منبع القدوة، هم المدرسة التي تغني عن كل مدارس التنمية البشرية، التي تنتشر في بلادنا العربية انتشارا كبيرا، وروادها في كثير من الأحيان متعالمون وتجار محترفون، يتصيدون ضحاياهم، ويستميلون زبائنهم بإشهار كاذب، وشهرة مستعارة، تسمع لأكثرهم جعجعة ولا ترى طحينا. لقد تحولت بعض مدارس التنمية البشرية إلى أسواق، تملأ الفضاء ولكن ليس لأكثرها نفعٌ ولا وقع.

أليس من مظاهر القدوة أن ترى طفلة غزاوية، فقدت أهلها جميعا في غارة صهيونية غادرة، فتصبر وتحتسب، وتردد: “حسبي الله ونعم الوكيل”؟ إن هذه العبارة أشد على نتنياهو وزبانيته من ألف قذيفة. لقد قالها مظلومون، فانتقم الله من ظالميهم، وزلزل عروشهم، وبدد شملهم وأذهب ملكهم، ونسأل الله في العشر الأواخر من رمضان أن يرينا في نتنياهو وأعوانه يوما أسود، وأن يمنّ على إخواننا المحتسبين في غزة بفتح كفتح مكة، يعزُّ فيه أولياؤه ويذل فيه أعداؤه.

أهل غزة هم منبع القدوة، وهم بحق الطائفة المنصورة التي سيتحقق على يدها تحرير الأقصى، وهي البشارة التي نتحسسها من الأحداث الجارية وتداعيات الحرب الظالمة. لقد بات الفلسطينيون ومن ورائهم المسلمون قاب قوسين أو أدنى من نصر مؤزر، وفتح مظفر، يجتمع فيه المسلمون في باحات المسجد الأقصى، يأتون إليه من كل حدب وصوب ليشهدوا نهاية كيان ظن أنه باق للأبد فأتاه الله من حيث لا يحتسب.

إن ثمرة الاحتساب لن تضيع، وإن ساعة العقاب آتية لا ريب فيها، وإن بيت العنكبوت في إسرائيل قد آذن بالخراب، فالصراع بين غالانت ونتنياهو وبين نتنياهو ومؤيديه ومعارضيه على سواء، قد أصبح ظاهرا للعيان، ينذر بتفكك وشيك لهذا الكيان، هذا ما تتحدث عنه كثيرٌ من الصحف ووسائل الإعلام حتى العبرية منها، وقد صدق الله القائل: “مثلُ الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كنوا يعلمون”. (العنكبوت 41).

ستتغلب النفوس الطيبة على النفوس الخبيثة، وستنفي أرض فلسطين خبثها، وسيعود المحتلون من حيث جاؤوا، موزَّعين شذر مذر، وسينتصر الله لدم الشهيد وترتفع راية التوحيد في فلسطين وينتهي نتنياهو وأتباع السامري الجدد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. هذا هو الوعيدُ الإلهي لكل متكبِّر وطاغية متجبر: “ولا تحسبنَّ الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء” (إبراهيم 42).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!