-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التّوحيد المجنيّ عليه!

سلطان بركاني
  • 931
  • 0
التّوحيد المجنيّ عليه!

التوحيد هو جوهر الإسلام وأساسه الذي يقوم عليه، وشعاره الذي يتميّز به عن سائر الأديان المحرّفة والديانات المخترعة، وهو الترجمة العملية لشهادة أن لا إله إلا الله والمحرّك الموجّه لأعمال القلوب والجوارح.. صنع خلال قرون مضت رجالا يحملون همّ الإسلام، ويعيشون به وله، ويفدونه بأنفسهم وأموالهم وكلّ ما يملكون.. لكنّه في القرون المتأخّرة أصبح مادّة للجدل والمحاكمات، وتعرّض للانتقاص من أطرافه على يد طوائف اهتمّت بمدلول مهمّ من مدلولاته، وأهملت مدلولات أخرى لا تقلّ عنه أهمية.

التّوحيد خلال قرون العزّ، كان يشمل توحيد الله في الدّعاء، فلا يُدعى أحد غير الخالق -سبحانه- ولا يستغاث بأحد سواه، لا نبيّ ولا وليّ ولا صالح. كان المسلمون يحفظون قول الله تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا))، وقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”، فلا تتحرّك قلوبهم برجاء أحد غير الله ولا تلهج ألسنتهم بسواه.

كما كان التّوحيد يشمل -كذلك- توحيد الله في الطّاعة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا طاعة لأحد فيما يخالف شرع الله؛ فلا يُطاع حاكم ولا ملك ولا مسؤول في أمر يخالف شرع الله تعالى، وإن خالف الحاكم أو المسؤول شرع الله، فإنّه يجد من يقول له كلمة الحقّ ويأطره عليها أطرا.

وكان من مدلولات التوحيد -كذلك- إفراد الله -سبحانه- بالخوف المؤدّي إلى التّعظيم والتذلّل، وترك الخوف ممّا سواه، فلا يُخشى أحد من المخلوقين كخشية الله.. وبهذا التوحيد كان المسلمون يقفون في معاركهم أمام الأعداء، وهم أقلّ أعدائهم عدة وعددا، فلا يخافونهم، بل يستعينون بالله ويقاتلون قتال من يستشعر معية الله ونصره وتأييده، ويوقن بقول الله تعالى: ((كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)).

كان التوحيد يشمل -كذلك- إفراد الله -سبحانه- بالحاكمية، فلا يقبل المسلم حكما آخر غير حكم الله، ولا يرتضي شرعا آخر غير شرعه، وكيف يقبل ما يخالف حكم الله وهو يقرأ قول الله -تعالى-: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ))؟ وكيف يرتضي لشرع أحكم الحاكمين بدلا؟ وكيف يذعن لشِرعة يضعها بشر يعلم شيئا وتخفى عنه أشياء ولأحكام جاهلية يتوارثها النّاس أو يستمدّونها من أقوام ينظرون إلى الحياة على أنّها أرحام تدفع وأرض تبلع؟! ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))؟

كان التوحيد يشمل هذا وغيره، لكنّه في القرون الأخيرة، كاد يُقصر -عند بعض طوائف الأمّة- على مدلول واحد من مدلولاته، هو إفراد الله بالدّعاء، فتسمع من يقول: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، ثمّ ينتقل مباشرة ليستدلّ بحديث النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “الدّعاء هو العبادة”، ليتوصّل إلى ترسيخ دعوى أنّ الدّعاء هو الرّكن الأعظم من أركان التّوحيد وأنّ ما سواه لا يبلغه في الأهمية ولا يدانيه، بل تسمع من يهوّن من شأن بعض مدلولات التوحيد، ويجزم بأنّها مدلولات مبتدعة، مع أنّ أدلتها من القرآن محكمة صريحة، وقد نصّ على أهميتها أعلام الأمّة على مدار قرون مضت.

لقد ابتلي التوحيد في زماننا هذا بطائفة من الأمّة قصرته على مدلول لا يزعج النّظام العالمي، وهوّنت من مدلولاته التي تعيد للأمّة عزّها وسؤددها، وأصبح الموحّد في أدبيات هذه الطّائفة هو من سلم من دعاء الأموات، والمشرك هو فقط من يدعو الأموات ويستغيث بهم، أمّا من يعظّم أمريكا والصهاينة ويرضخ لإملاءاتهما ويتّخذ اليهود والنّصارى أولياء يلقي إليهم بالمودّة، ويحرّف دين الله ليوافق أهواءهم؛ فهذا ليس مشركا في عرف هذه الطّائفة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!