-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الانهيار‭ ‬الكبير‭ ‬للنظام‭ ‬التونسي

الثورة‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬الى‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات

صالح عوض
  • 4250
  • 0
الثورة‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬الى‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات

انهيار النظام التونسي بالصورة التي نتابعها عبر وسائل الاعلام يثير الدهشة والإعجاب في آن واحد، ذلك، لأن كل أدوات النظام مع تعددها لم تصمد في مواجهة مظاهرات شعبية لم تتجاوز الى أحداث شغب وتخريب كما يحصل في بلدان كثيرة.. فلقد بلغت التظاهرات الشعبية في اليونان وغيرها من الدول الأوربية مستوى خطيرا، فلقد خرجت الجماهير الى الشارع ودمرت وحرقت، إلا ان النظام لم ينهر مع انه لا يمتلك من أدوات القمع ما امتلك نظام زين العابدين، وهنا لا بد من تدبر الحالتين لنكتشف اسباب انهيار النظام التونسي بهذه السرعة؛ ولعل الفكرة التي تلمع بسرعة من اجراء هكذا تحليل تفيد ان وجود التعددية السياسية وقوة مؤسسات الدولة والأجهزة الاعلامية وصون الحقوق الشخصية والعامة، كل ذلك كان بمثابة تحصين للدولة والنظام، فلم نشاهد حاكما أوروبيا يفر من غضبة الناس.. ان هذا يعني بوضوح هشاشة النظام العربي وعدم ثقته بمؤسسات الدولة، وانه لم يكن جزءا من الدولة، انما كان يستخدم الدولة لمصالح شخصية او فئوية او عائلية، الأمر الذي يثير المخاوف في ضميره وعقله فينهار لمجرد ضربات في سمعته وهيبته ويبدو كأنه بيت عنكبوت.

  •  
  • لقد تواصل انهيار النظام التونسي بدءا من فرار الرئيس، فانسحابات قيادات الحزب بالجملة من مؤسسات الحزب.. والقاء القبض على القيادات الأمنية الكبيرة في نظام زين العابدين، ثم الغاء الإجراء الذي قام به الوزير الأول الغنوشي من الاضطلاع بمهمات رئيس الدولة، وانتقال الأمر لرئيس البرلمان الذي كلف الغنوشي برئاسة حكومة وحدة وطنية تهيء للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.. وأعقب ذلك انسحاب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان من الحزب الدستوري وتلاهما بالانسحاب بقية وزراء الحكومة الدستوريين.. وعقب هذه الخطوات المدوية، أقدمت اللجنة المركزية للحزب الدستوري بالانسحاب جملة من الحزب.. ولم يتوقف الأمر عند هذا المستوى، حيث واصلت جماهير الشعب التونسي تصفية المؤسسات العامة من القيادات الحزبية الدستورية، فلقد تناقلت وكالات الأنباء الأخبار بأن العاملين في المؤسسات التونسية العامة يجتمعون امام‭ ‬مؤسساتهم‭ ‬ويعلنون‭ ‬طرد‭ ‬المسؤول‭ ‬الفلاني،‭ ‬وهكذا‭ ‬استطاعت‭ ‬الثورة‭ ‬ان‭ ‬تثبت‭ ‬خطوات‭ ‬نحو‭ ‬اقصاء‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬من‭ ‬مفاصل‭ ‬المجتمع‭.‬
  • ان كل يوم يأتي انما هو لصالح التغيير الكبير واستئصال شأفة المفسدين وميلاد نظام على أنقاض آخر، وبطريقة منهجية، اذ لا يكفي إسقاط رموز النظم السياسية والأمنية، بل لابد من إسقاط كل قيادات الحزب الحاكم من مفاصل الحياة الاجتماعية والانتاجية والثقافية في البلد.
  • ولاتزال‭ ‬العملية‭ ‬التغييرية‭ ‬مستمرة،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬مرحلة‭ ‬تفرد‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬انتهت‭ ‬الى‭ ‬غير‭ ‬رجعة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬ان‭ ‬يستعيد‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬القديم‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬قوته‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭.‬
  • ولكن هنا تتسرب الى الوعي بعض الاشارات لإثارة سؤال حول طبيعة من يتسلم الأمور لا سيما على صعيد الرأس.. فلقد اصبح من المؤكد أن هناك نظاما ينهار، ولكن من غير المؤكد حتى اللحظة التكهن بطبيعة النظام القادم.. أي من الذي يتسلم قيادة الأمور الآن.
  • ان المطروح على الساحة حتى الآن اتجاهان، الأول يتمثل في قوة الشارع المنتفض وإرادة الأحزاب المشتركة والنقابات الفاعلة في وجود نظام تعددي يحمي الحريات ويصون الكرامات، نظام مدني، يوفر فرص العمل ويوفر حياة كريمة لقطاعات الشعب المقهور.. وهو مع هذا يريد التخلص تماما‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وثقافته‭ ‬ورموزه‭.‬
  • وهناك اتجاه آخر يعلو الهمس حوله هذه الأثناء حول دور العسكر في انه اصبح مرجعية النظام الجديد ومرتكزه بعد ان سقطت وزارة الداخلية ويعاد الآن ترتيبها بما يتناسب مع الوضع الجديد.. ويشير هذا الاتجاه الى ان يستمر عمل الحكومة المعلنة لتسيير الأعمال مدعومة من الجيش،‭ ‬ولترتيب‭ ‬صياعة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة‭.‬
  • المهم ان مرحلة كاملة تنقضي الى غير رجعة، ومرحلة كاملة تجىء بصفات مختلفة تكون مرجعيتها أن الشعب رقيب وفعال وحيوي ولا يمكن استثناءه بأي شكل من الأشكال.. وفي كل الاحتمالات المطروحة، لن يعود نظام زين العابدين، ولن تعود عصابة اللصوص، ولن يعود حزب يحكم بمقاليد الحياة، ولن تعود مليشيات الحزب الحاكم تسوم الناس سوء العذاب، ولن تعود أجهزة قمع النظام السابق مهما كان.. وهذا هو المهم، أن حياة جديدة بهواء نقي تنبعث في تونس.. وأجيال بثقافة جديدة تتحرك نحو غد لن يكون بالتأكيد شبيها بالأمس.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!