-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائريون في نظر الشيخ الغزالي

الجزائريون في نظر الشيخ الغزالي

الشيخ محمد الغزالي هو أحد أشهر الدعاة إلى الإسلام في القرن العشرين، وقد جعل له الله -عز وجل- القبول في عقول المسلمين والودَّ في قلوبهم، لما وُهِبَ من إيمان عميق، وأسلوب جميل، وسلوك نبيل، ولما أَصَابَهُ من عذاب واصب على يد فَراعنة مصر المحدثين، وَرَثَةِ من كان شعارهم في العقيدة وفي الحكم: «ما علمتُ لكم من إله غيري»، و«ما أريكم إلا ما أرى». ولعل عَاجِلَ بُشْرَى الله -عز وجل- لعبده الغزالي أن يُدْفَنَ في البقيع غير بعيد عن مثوى أطيب من قذفته رَحِمٌ، وسَعَتْ به قدم، سيد الكونين من عُرْبٍ ومن عجم.

كانت للشيخ الغزالي صلةٌ بالجزائر قبل أن يطهِّرها أبناؤُها من الرجس الفرنسي، وذلك عن طريق رجلين ليسا كأحَدٍ من الرجال هما الأستاذ الفضيل الورثلاني الذي وصفه الإمام الإبراهيمي بقوله: «إنه جيشٌ لا رجل»، والإمام الإبراهيمي الذي قال عنه أخوه الإمام ابن باديس: «إنه مفخرة علماء الجزائر»، وقد عاش الاثنان فترة من حياتيهما في القاهرة، فكانا مِلْءَ الأسماع والأبصار، رغم ما كان في مصر من قامات علمية وفكرية.

زار الشيخ الغزالي الجزائر عدة مرات، ثم قَدَّرَ له الله -عز وجل- أن يَتَدَيَّرَهَا بضْعَ سنين، مدرِّسًا في جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، ورئيسا لمجلسها العلمي، ومتجَوِّلا في أقطارها، دارسا لتاريخها، مخالطا لأهلها، ناشرًا لـ”الإسلام الصحيح” كما يقول الشيخ أبو يعلى الزواوي، محاربا للضلالات، دَالًّا على الانحرافات، كاشفا للفاسدين حتى ضاق به سفهاءُ الجزائر وأراذلُها وسفلتُها وبادي الرأي فيها، وتَقَوَّلُوا عليه الأقاويل، وأشاعوا عليه الأراجيف.

وأشهد، ويشهد الجزائريون -إلا أسافلهم- أنهم لم يحبوا أحدًا من غير الجزائريين كما أحبّوا الشيخ الغزالي، وقد بَادَلَهُم حبا بحب ووُدًّا بِوُدّ، ولم يفتر هذا الحب من الجانبين حتى بعدما اضطر الشيخ إلى العودة إلى مصر بعد وفاة صاحبته، واشتداد مرضه.

قبيل وفاته زرنا القاهرة (الدكتور قسوم وكاتب هذه الرقوم)، وما كان لنا أن نكون في القاهرة ولا نزور الشيخ محمد الغزالي، فيسَّرَ الله لنا ذلك، فرحَّبَ بنا، وقضينا معه فترة من أجمل ما قضيناه في هذه الحياة، وقبيل اسْتِئْذَانِنَا بالانصراف مَازَحْتُ الشيخ فقلت: أعلم أننا نحن الجزائريين “صعاب”، ولا شك أنك لقيت من بعض سفهائنا ما كدَّر صفوك، وعَكَّر مزاجك، وضَيَّق صدرك، وأريد الآن أن أعرف رأيك في الجزائريين.

تبسَّم الشيخ، ثم قال حرفيا -والله على ما أقول شهيد- :«في الجزائريين أخلاقُ الفاتحين، وينقصهم العلمُ الشرعي».

قلت على الفور: أمَّا أنَّ في الجزائريين أخلاقَ الفاتحين فذلك ما يشرِّفنا، ويرفع هَامَاتِنَا؛ وأمَّا ما ينقصنا من العلم الشرعي فذلك نتيجة إجرام فرنسا، التي مَنعَتْنا بقوانين مجرمة من القيام بـ«واجب طلب العلم» كما يأمر الإسلام.. وقد كانت لأسلافنا إسهاماتُهم المتميزة في الحضارة الإسلامية، ومنها العلوم الشرعية.. وهم الآن يجتهدون لجعل الجزائر مركزا من مراكز الدراسات الإسلامية. وها هم أبناؤها الآن يعمرون الجامعات في شتى أقطار المعمورة، ومنهم علماء في الجامعات الإسلامية مشرقا ومغربا، وصدق الإمام ابن باديس القائل: «إن تربة الجزائري طيِّبة إذا واتتها الظروف».

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!