الجزائر بين التغيير والإصلاح.. إلى أين ؟
لا زلت مصرا على عدم الخوض في شؤون الرياضة وكرة القدم في الوقت الراهن إلى إشعار آخر، لأن الجزائر أولى وأهم من كل شيء، وهمومنا وتحدياتنا أكبر من اللعب والترفيه، كما أن مأساتنا الفنية والتنظيمية في المجال الرياضي تهون أمام الأزمات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والتربوية والصحية التي نتخبط فيها دون إدراك لما نريده وما يجب فعله…
-
وهل نحن بحاجة إلى إصلاح للمؤسسات والممارسات أم تغيير في المناهج والسياسات والرجال، وهل يجب علينا السكوت والصبر وإعطاء الوقت للوقت، أو نتكلم ونتحاور ونناقش المشروع الذي نريده لأبنائنا بهدوء وتبصر وتقبل لبعضنا البعض في ظل انعدام الرؤية الصائبة لمستقبل الوطن وفي ظل التحولات التي تعصف بالجيران والضغوطات التي يعيشها شعبنا والمتطلبات التي تقتضيها المرحلة القادمة من عمر الجزائر..
-
مهما كان التشخيص وتعددت واختلفت الآراء والتحاليل والمصطلحات المستعملة من طرف الجميع، ومهما كان حجم التفاؤل أو التشاؤم في الأوساط الرسمية والشعبية، فإن الحاجة إلى الذهاب نحو جمهورية ثانية والحاجة إلى تحولات عميقة بالفعل وليس بالقول صارت أكثر من ضرورة للوصول بالجزائر إلى مستوى من التفكير والتسيير والممارسة بعيدا عن الأنانية والذاتية واللامبالاة وانعدام روح المسؤولية وقلة الوعي بما تتطلبه المرحلة المقبلة..
-
من يتحدثون عن الإصلاح يقرون ضمنيا بوجود فساد وخلل يجب إصلاحه بتغيير التشريعات والقوانين والممارسات وإصلاح منظوماتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والصحية والثقافية والرياضية والاجتماعية برمتها، لأن الاختلالات عميقة ومتشعبة، والحاجة إلى تداركها صارت أكثر من ملحة باعتراف أهل الاختصاص ذاتهم، وإقرارهم بأن الأمور ليست على ما يرام، فتجد الكل يشتكي ويندد سرا وعلنا دون القدرة على التحرك!
-
ومن يتحدثون عن التغيير على كل المستويات، وتغيير الكثير من الأشياء في عديد المجالات يدركون بدورهم بأننا لم نعد قادرين على الاستمرار بنفس الوجوه المستفزة في الوزارات والإدارات، والاستمرار بنفس السياسات العقيمة والممارسات المنافية للأخلاق والمبادئ والمسيئة للدولة والوطن، ويدركون في نفس الوقت بأن تغيير كل شيء والعودة إلى نقطة الصفر ونكران ما تحقق من انجازات بفضل الرجال وبعض المؤسسات هو أمر يحمل الكثير من المخاطر ولا يمكن المغامرة به والعودة إلى الوراء، ولا يمكن تكرار تجاربنا الفاشلة..
-
الإصلاح أو التغيير.. المهم أن لا يستمر الحال على ما هو عليه، لأننا إذا لم نغير من الداخل نتغير من الخارج، وإذا لم نساير التحولات ستعصف بنا الأيام، ونندم على تضييع الوقت والجهد، وتكون الخسائر أكبر مما نتصور لأن شعبنا صار أكثر وعيا، وحاجته إلى تحقيق أهداف أخرى ازدادت، وإدراكه بأن دوام الحال من المحال صار قناعة راسخة لديه في ظل الصمت الرهيب على كل المستويات والخوف الذي يسكن الكثير من النفوس الضعيفة، وفي ظل تحالف قوى الشر التي تترصد بنا وتتوجه بالوطن إلى الهاوية..
-
سواء سميناه إصلاحا أو تغييرا، فإن الأمر يمر حتما عبر التغيير في الذهنيات والممارسات والمنهج والأهداف، وتغيير الرجال إذا اقتضى الأمر، لأن الجزائر التي أنجبت صناع الثورة وحماة الاستقلال والمبدعين في كل المجالات ليست عاقرة، ولا تزال تنجب المخلصين والأكفاء القادرين على إعطاء نفس جديد لجزائر الألفية الثالثة، والجزائر العظيمة تملك من القدرات البشرية والمادية والطبيعية ما يؤهلها لكي تكون ضمن الأوائل في كل مجالات الحياة.
-
عندما نتمعن في أحوالنا ومعنوياتنا المحبطة ندرك بأننا وصلنا إلى نقطة اللارجوع ووصلنا إلى مرحلة حاسمة يجب أن يتحمل فيها كل واحد مسؤولياته في إبداء الآراء والمواقف واتخاذ القرار وانتهاج الطريق الأقرب إلى الصواب من أجل جزائر يكرم فيها المرء ولا يهان، وجزائر تتكافأ فيها الفرص بين كل أبنائها، ولا تأخذ فيها شهادة الميلاد بعين الاعتبار بقدر ما تؤخذ فيها شهادة الكفاءة المهنية والقدرة على العطاء، وجزائر تستثمر في أبنائها ولا يأكلهم السمك في البحر ولا الفقر والظلم والقهر يوميا، ولا يموت فيها أبناإها عشرات المرات في اليوم ألما وحسرة..
-
جزائر المؤسسات والقوانين وليست جزائر الأشخاص والبارونات، ومافيا المال والأعمال والغيرة والحسد والضغينة والإقصاء وتصفية الحسابات، وجزائر ينعم فيها أبناؤها بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والأخلاق والمبادئ وكل شيء جميل.
-
عندما نقول هذا الكلام لا نقصد إحباط المعنويات أو التشكيك في النيات، بل نحاول معرفة أين نحن وماذا نريد، وأين نسير بالجزائر، ونسعى إلى حشد الهمم والاستفادة من الدروس والتجارب التي نعيشها كل يوم، ونهدف إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه وتغيير ما يجب تغييره لأنها سنة الحياة في الكون، وجزائر الغد لن تكون أبدا جزائر البارحة.. شئنا أم أبينا.. بنا أو بغيرنا من أبنائنا..