-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر.. القطيعة مع الفساد

الجزائر.. القطيعة مع الفساد

الأنباء التي تتوالى هذه الأيام في ملاحقة الفساد من دون هوادة تحمل الكثير من بشائر الأمل في تقدم الجزائر على طريق التغيير العملي، بما يعيد الثقة واللحمة بين الشعب ومؤسسات الدولة في كافة مستوياتها، باعتبارهما الشرط الرئيس في تفعيل المشروع الإصلاحي.

لقد تعاملت السلطات التنفيذية والقضائية مؤخرا بكل صرامة مع أفعال مدرجة ضمن سوء التسيير وتبديد الأملاك العامّة وانتهاك القانون، فلم تتخلف عن الضرب بيدٍ من حديد ضد المتورطين والمشتبهين مهما كانت هوياتهم، بل وصل الأمر، ولأول مرة، إلى تعاقب الإخطارات برفع الحصانة عن عشرات النواب في غرفتي البرلمان، تحضيرا للامتثال أمام العدالة، طبقا لأحكام الدستور الجديد الذي قيّد التحصين القضائي بأداء المهام البرلمانيّة من دون المساس بالحق المدني أو العامّ.

إنّ زمن التعايش مع الفضائح قد ولّى في الجزائر، بعد ما كانت روائحها النتنة تزكم الأنوف في عهد العصابة البائدة، حتى تحوّلت وقتها إلى حديث مقاهي وصالونات وإعلام، دون أن يجد العقابُ الأوْفى طريقَه إلى رموز فساد يُشار إليهم بالبنان.

أما اليوم، فإنّ إرادة الدولة وأجهزتها المخوّلة تبدو جادّة في القطيعة مع الماضي الأسود، وعازمة على فتح عهد جديد، يخسأ فيه المفسدون في البلاد، بإعلاء صوت القانون وسياطه.

ولا أدلَّ على ذلك من صدور جملة قرارات تنفيذية وقضائية حازمة خلال أسبوع واحد ضدّ هؤلاء، إذ أنهت السلطات العليا في ظرف قياسي مهام كل من الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، ومسؤول محطة التوقف للشركة نفسها بالجزائر العاصمة، بسبب سلوكهما المسيء لصورة الجزائر، والمضرّ بمصالح المواطنين في الخارج، حسب بيان رئاسة الجمهورية.

ثمّ أمر قاضي القطب الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، الجمعة، بإيداع عدة مسؤولين بالشركة نفسها الحبس المؤقت، مع وضع آخرين تحت الرقابة القضائية، على خلفية فضيحة التذاكر وعودة باخرة جزائرية شبه فارغة بـ72 مسافرا فقط من مرسيليا.

كما صدرت قراراتٌ عاجلة بإنهاء مهام إطارات ومسؤولين كبار، على خلفية اكتشاف جثتيْ شابين بإحدى طائرات الجوية الجزائرية، طالت مديرَ شرطة الحدود، ونائبَ مدير شرطة الحدود الجوية، ومديرَ شرطة حدود مطار الجزائر الدولي، وكذا رئيسَ فرقة أمن الطائرات ورئيس فرقة الأمن والمراقبة، بالإضافة إلى إنهاء مهام رئيس محافظة أمن مطار هواري بومدين ومسؤول الأمن على أرضية المطار.

وتأتي هذه الإقالات بالتزامن مع أمر قاضي التحقيق لدى مجلس قضاء الوادي، بإيداع نائب بالمجلس الشعبي الوطني ورئيس محلّي لفرقة درك بالنيابة، الحبس المؤقت، في قضية غش بامتحان نهاية التعليم الإكمالي، في وقت تلقّى مكتب مجلس الأمة مجددا إخطارات من وزارة العدل، لمباشرة إجراءات رفع الحصانة عن قرابة 20 عضوا، بتهم تتعلق بالحق العامّ، ما يؤكد أن لا أحد فوق القانون بعد اليوم.

وقبل هذه الوقائع، كان رئيس الجمهورية قد أنهى مهام عدة مسؤولين في مستويات مختلفة، من الرئاسة إلى الولاة، مرورا بالحكومة والمديريات العامة، في إطار إرساء قواعد وتقاليد جديدة، تقوم على مبادئ الحساب والتقييم والتزام أخلاقيات الدولة.

وإذ نسرد هذه المعطيات، فإننا لا نتهم أيًّا من المعنيين، في انتظار أن يقول القضاء كلمة الفصل، لكنها تبقى مؤشراتٍ قطعيّة على الحزم الظاهر في استئصال دابر الفساد والمفسدين، وإنهاء فوضى “البايلك” التي نخرت الدولة، وحطّمت معنويات المواطنين في رؤية بلادهم، مثل غيرها، تنهض وتتقدم، وهي تملك كل مقومات الريادة العربية والإفريقيّة.

وما يزيدنا أملا في تغيير الأوضاع نحو الأحسن، هو أنه مقابل مطاردة العبث والرداءة، فإنّ قطاعات حكوميّة شرعت في تكريس الشفافيّة والتمكين للكفاءة والنزاهة، بعيدا عن منطق الولاءات والمحسوبيّة والجهوية في تقليد المسؤوليات.

وبهذا الصدد، يمكن التذكير بإعلان وزير الصحة، عبد الرحمان بن بوزيد، الخميس، أنّه سيتم مستقبلا اتخاذ تدابير جديدة لتسيير المؤسسات الاستشفائية، بإطلاق دعوة للترشُّح عبر المنصة الالكترونية للوزارة، من أجل انتقاء مديري الصحة الولائيين وكذا مديري المستشفيات، مثل ما سبق الديوان الوطني للخدمات الجامعية إلى إطلاق أرضية رقمية كذلك لاستقبال ملفات الترشح لمنصب مدير خدمات، على أمل توسيع وتقنين هذه الطريقة، ولمَ لا اعتماد آلية الانتخاب المفتوح، وفق مواصفات وشروط موضوعيّة، في تولية المناصب الإداريّة العليا بالمؤسسات الكبرى، على غرار المستشفيات والجامعات مثلا.

قد يشكك متشائمون في مثل هذه القرائن الإيجابيّة، لأنهم يصرّون دائمًا على النظر نحو النصف الفارغ من الكأس، لكن من الواجب على الجزائريين المتطلعين إلى الإصلاح الالتفاف حول بوادر الخير والأمل، لأنّ بث اليأس في نفوس المواطنين لا يصنع التغيير.

ونحن على أبواب ستينيّة الاستقلال، حيث تشرئبّ الأعناق إلى فحوى مبادرة رئيس الجمهوريّة بلمّ الشمل، فإنّ الآمال تكبر في جمع إرادة الشعب الجزائري، على كلمة سواء، في ظل رهانات داخلية وإقليمية مصيرية؛ إذ المرتجى هو حوار الجزائريين فيما بينهم، لاستكمال كلّ شروط بناء الجزائر الجديدة، خاصة ما تعلّق منها بفتح الفضاء العامّ أمام جميع الفاعلين والمبادرات الحرّة، لأنّ الوطن ملكُ كل الجزائريين وحمايته والمساهمة في إعلاء صرحه أيضا مسؤولية مشتركة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!