-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر بين روما ومدريد

عمار يزلي
  • 1668
  • 0
الجزائر بين روما ومدريد

تمثل العلاقات الجزائرية الإيطالية، نموذجا يقتدى به مع دول الاتحاد الأوربي وهذا على عدة صُعد، تدعمها العديد من عناصر التماثل والتناظر السياسي والاقتصادي.

أولا، إيطاليا دولة أوربية قريبة من الجزائر، اعتمدت على نفس النموذج الذي تريد الجزائر اعتماده وهو النموذج الصناعي والزراعي المعتمد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي من شأنها أن تنتج نسيجا كبيرا وأوعية وروابطَ وروافد اقتصادية شبكية تسمح بالانتشار السريع، بسبب قلة التكلفة الاستثمارية وقدرتها على استيعاب أكبر عددٍ من اليد العاملة المؤهَّلة والعمالة المهنية، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي ومؤسسات الإقلاع المجهرية التي بدأت تعطي ثمارها حتى عندنا، انطلاقا من تجربة إيطاليا وبعض البلدان الأخرى.

ثانيا: إيطاليا، بحكم الجوار الجغرافي، مثّلت خلال حقبة الاستعمار واحدة من أهم الدول الأوربية التي تعاونت وتعاطفت مع الثورة الجزائرية أثناء الثورة عبر المساعدات والدعم الديبلوماسي خاصة ذلك الذي قدّمه “أنريكو ماتّييّي” للثورة الجزائرية، والذي بالمناسبة سُمّي أنبوب الغاز الذي يمول إيطاليا من الجزائر باسمه. كما أن العلاقات الإيطالية الجزائرية، بشهادة رئيس الجمهورية، لم تشُبها شائبة يوما، حتى في فترة التسعينيات التي عملت فيها دول كثيرة ومنها الدول الأوربية على محاولة حصار الجزائر جوا وبرا وبحرا، فقد بقيت العلاقات الإيطالية بدون تغيير وفعالة اقتصاديا وتعاونا في كل المجالات، وهو ما يعني أن العلاقات بين الدولتين لا تغيرها المواقف السياسية للحكومات، فهي علاقات دولة بدولة على أسس تاريخية، لا أطماع ولا ابتزاز ولا تشفي ولا غدر أو خيانة للمواقف والمواثيق، وهو ما يمثل جوهر العلاقات الإستراتيجية بين البلدين؛ فالثقة عنصرٌ جد مهم في أي مجال تعاوني مع البلدان. لهذا نرى الجزائر، تكثف علاقاتها أكثر مع الدول الصديقة، أي تلك التي لا تخشى منها سوء العاقبة ودائرة الدوائر، كما حصل مع بعض دول الجوار العربي والأوربي.

زيارة رئيسة وزراء إيطاليا إلى الجزائر، تشكل زخما جديدا لهذا التعاون، خاصة وأنها جاءت مرفَقة بوفد وزاري مهم ومشاريع مشتركة بين البلدين لاسيما في مجال الاستثمار في الطاقة والمناولة. هذه الزيارة تعكس تماما ما سبق لنا أن ذكرناه من أن الثقة أساس العمل المشترك بين البلدين؛ فعلاقة الجزائر بإيطاليا هي علاقة دولة بدولة، وليس حكومة بحكومة، ولهذا نلاحظ أنه لا شيء تغيّر مع تغيُّر رئيس الحكومة الإيطالي ولا مع قدوم “اليمين” ويمين الوسط في التحالف مع قوى سياسية تقليدية مثل حزب “سلفيو برلسكوني”، الذي سبق له أن ترأس عدة حكومات وقدّم في عهد الراحل معمر القذافي اعتذار إيطاليا لليبيا على احتلالها.

الجزائر تتعامل إذن مع الدولة الإيطالية مهما كانت التجاذبات والتغيرات السياسية: فاليمين الإيطالي يختلف مثلا عن اليمين الفرنسي، بحكم التاريخ الاستعماري، لهذا لا يمكن أن نقارن بين الاثنين، وحتى في حالة اسبانيا مع اليسار  الذي خان الأمانة في قضية الصحراء الغربية، والتي كان اليسار دوما هو داعمها وحاميها ومناضل قضيَّتها. قضية الصحراء الغربية بالنسبة لرئيس الحكومة الاسبانية هي قضية أخلاق سياسية باعتبارها كانت دولة محتلة للصحراء الغربية وعليها واجب الدفع باتجاه تقرير مصير شعبها، لا بيع القضية للمحتلّ تحت ضغوطه. هذا هو السبب في تأزم العلاقات مع حكومة اسبانيا. مع ذلك، بقيت العلاقات التجارية والاتفاقيات قائمة، لكن قلّصت ما سواها لإجبار الحكومة على التراجع عن قراراها السياسي تجاه قضية الصحراء الغربية، فيما تبقى علاقات الدولة الجزائر مع الدولة الاسبانية قائمة وستعود العلاقات إلى سابق عهدها بعد حلّ الخلاف أو ذهاب الحكومة الحالية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!