-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر تتقدم… ولكن حذار من الريع والتضخم!

الجزائر تتقدم… ولكن حذار من الريع والتضخم!

التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية مؤخرا، بخصوص الأداء الاقتصادي في الجزائر، تبعث على التفاؤل الكبير بالمستقبل، وتستثير في الجزائريين إرادة العمل أكثر لمواصلة التقدم المحقق والاحتماء من المخاطر المحتملة، مثلما تؤكد صدقيّة تصريحات المسؤولين في بلادنا.

ولعلّ آخر ما ورد بهذا الصدد، هو تلك المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني التي كشف عنها صندوق النقد الدولي، خاصة ما تعلّق بارتفاع معدل النمو، مقابل تباطؤ التضخم، مع إشادة واسعة للهيئة بمستوى الإصلاحات البنيوية والمالية التي تقودها السلطات العمومية لتأهيل الاقتصاد.

وحسب تقرير “الأفامي”، فإنّ الجزائر حققت نموا بـ 4.2 بالمائة عام 2023، ومتوقع استمراره إلى غاية 2026 على الأقل، والأهمّ أنّ هذه النتيجة لم تكن فقط حصيلة ارتفاع واردات المحروقات عقب الحرب الروسية الأوكرانية، بل تحفزت أيضا بفضل “الأداء القوي في قطاعات الصناعة والبناء والخدمات”.

كما وقف تقرير المؤسسة الدوليّة على فائض العملة الصعبة للعام الثاني على التوالي، إضافة إلى تراجع العجز المالي نهاية 2023 إلى مستوى أقل من توقعات قانون المالية التصحيحي.

هذه المؤشرات المعتمدة على نطاق عالمي، بحكم مصدرها، تصدّق تلك الأرقام التي مافتئ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يقدمها للرأي العام بخصوص الإنجازات الاقتصادية، وآخرها ما عرضه سهرة السبت خلال لقائه الإعلامي الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية.

ومن الآثار البارزة لآفاق الاقتصاد الجزائري هو حجم تدفق طلبات الاستثمار، حيث قدّرها الرئيس تبون بحوالي 6000 مشروع مسجل لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، علمًا أن نصفها دخل حيز الانطلاق، بينما ينتظر تجسيد أغلبها في غضون 30 شهرًا من اليوم.

هذا ما دفع الرئيس تبون، بناء على تقديرات مدروسة، إلى توقع ارتفاع الناتج المحلي الخام إلى 400 مليار دولار في 2026، مقابل الحفاظ على معدل نمو عند المستويات الحالية حتّى 2027.

أكثر من ذلك، وجدنا رئيس الجمهورية يستبق الزمن، وفق المعطيات الراجحة عنده، مُعلنًا عن توجه السلطات العليا نحو استغلال ثروة الاقتصاد لتمويل زيادات أخرى مقررة في الأجور، لتقفز بنسبة 100 بالمائة في غضون 2026 و2027.

لا شكّ أنّ هذا التوافق بين الأرقام المحليّة والأجنبيّة يشكل “اعترافا من الهيئات الدولية بأن الجزائر في الطريق الصحيح”، مثلما تشير توقعات الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط إلى أن بلادنا ستكون ضمن الاقتصادات الناشئة، على حد تعبير رئيس الجمهورية.

بالمقابل، ينبغي عدم إغفال تلك المخاطر المحدقة بالاقتصاد الجزائري، وعلى رأسها الريع النفطي بصفته الممول الرئيس حتى الآن للخزينة العمومية، في ظل تقلبات السوق الدولية للطاقة بشكل دوري، وكذا الحذر من معدّل التضخم المالي الذي لا يزال ملحوظًا في حدود 8 بالمائة على الأقلّ.

من الواضح أن السلطات التنفيذية تواجه عمليّا تلك الأخطار الاقتصادية، وهو ما شدد عليه الرئيس تبون في تصريحه الأخير للصحافة بسعي الدولة إلى خفض معدل التضخم إلى أقل من 4 بالمائة، من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، بعد ما ورث الرجل تركة طبع النقود وآثار جائحة كورونا وحتى تداعيات الجفاف الطبيعي على قطاع الفلاحة.

لم تكن الجزائر في أي عهد، مثلما هي عليه اليوم، حريصة على الخروج من قبضة الريع البترولي، بالتوجّه الجادّ نحو تنويع الاقتصاد واستغلال كل الثروات الطبيعية وتشجيع المستثمرين ورفع الصادرات خارج المحروقات ودعم الزراعات الاستراتيجية لضمان الأمن الغذائي، موازاة مع تكريس شروط الحكامة الإداريّة بفرض الرقمنة والشفافية في تسيير الشأن العام، خاصة في القطاعات الحيوية ذات الصلة بالأداء الاقتصادي والمالي، جنبًا إلى جنبٍ مع حرب واسعة يشنها القضاء على الفساد، حفاظًا على المال العام، وهي تغيرات ملموسة يعيشها الجزائريون يوميّا في كل مكان.

هذا لا يعني أن بلادنا وصلت إلى المبتغى، بل ما يزال أمامها عمل شاقّ لتحقيق تلك الأهداف، في ظل ممارسات هدامة تراكمت طيلة عقود طويلة، مثلما تظل المقاومة السلبيّة المعطلة حاضرة دائما ضد مشاريع الإصلاح، بقيادة دوائر الفساد والمنتفعين السابقين من زمن الفوضى والاحتكار، وهذا ما يفرض الوعي الجماعي بضرورة منْح الفرصة كاملة للإرادات المخلصة في إنقاذ البلد من مخالب التفسخ العام، والوقت اللازم لتنفيذ أجندة التطهير والإصلاح ومُراكمة المكاسب المنجزة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Amina

    بإذن الله ستصل الجزائر إلى الإستقرار المالي اللهم احفض بلدي و اجعله آمنا مستقرا و سائر بلاد المسلمين