-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر صمامُ الأمن الطاقوي الأوروبي

د. عمر هارون
  • 723
  • 0
الجزائر صمامُ الأمن الطاقوي الأوروبي

عشرون سنة من العلاقات الجزائرية الإيطالية، تميَّزت بالاحترام المتبادل الذي أفضى للوصول إلى حالة حقق فيها الطرفان النموذج الأمثل لمبدإ رابح- رابح، بين ضفتي البحر المتوسط، في مثال للتعاون يمكن الاقتداء به متوسطيا وعالميا، علاقة لم تؤثر فيها تحول دفة الحكم من اليسار لليمين كما حدث مع الإسبان الذين عصفوا بكل ما تم بناؤه مع الجزائر بمجرد تغيير حكومة، في حين أن العلاقات الجزائرية الايطالية أعطت مثالا عن الاحترام المتبادل المفضي للتعاون الإيجابي الخالق للفرص والقيمة المضافة.

إن زيارة رئيس مجلس الوزراء الإيطالي جورجا ملوني للجزائر، والبلدان يحتفلان بعشرين سنة من الصداقة والتعاون والشراكة، كانت نتيجته المباشرة إمضاء خمس اتفاقيات ركّزت في الجانب الاقتصادي على الطاقة والشراكة بين القطاع الخاص.

الجزائر عنوان الأمن الطاقوي الجديد لأوروبا

إن في المحن منحًا، هذا ما يمكن قوله على ما ترتب على الأزمة الروسية الأوكرانية التي ستكمل شهرها الـ10 وكانت النتيجة المباشرة للصراع تغيير خريطة الطاقة الأوروبية التي لن تكون قادرة على المراهنة على الغاز الروسي الذي كان يمثل 41 بالمئة من حاجات أوروبا، مما اضطرها للبحث عن بدائل تكون أقرب جغرافيًّا لتتمكن من السيطرة على التكاليف.

إن إيطاليا على يقين أن الجزائر هي منفذُها للتحوّل لتكون الممونَ الأول لأوروبا بالغاز، كل ما سبق سيتم من خلال مدّ أنبوب جديد بين الجزائر وإيطاليا على مسافة 270 كلم يحوي تقنيا قنوات لتمرير الغاز والهيدروجين والأمونياك والكهرباء.

من جهته، وجد الدب الروسي في الصين الهند وباكستان أسواقا جديدة غير متطلبة فجعلها هدفا لتصريف إنتاجه، وهنا جاءت فرصة الجزائر التي كانت تصدِّر ما يعادل 50 مليار متر مكعب من الغاز، التي قررت أن ترفع التحدي وتحاول في المدى المتوسط أن تعوِّض الدب الروسي في تموين أوروبا بالطاقة، وهنا تأتي العبقرية الجزائرية التي وجدت الحل في إمداد أوروبا بأنواع عديدة من الطاقة تتمثل في الهيدروجين والأمونياك والطاقة الكهربائية والغاز، وبهذه الطريقة ستكون عملية تعويض التموين الروسي للأوروبيين أسرع، فالجزائر حاليا قادرة على تقديم 9 جيغاواط بشكل سنوي كونها تنتج 25 جيغاواط وتستهلك 17 فقط، كما أن سونطراك سارعت إلى ضخّ 40 مليار دولار لتطوير بُناها التحتية لتحقيق هدف رفع الإنتاج الغازي الجزائري من حدود 100 مليار متر معكب إلى 150 مليار متر مكعب، وهذا لرفع مستوى التصدير إلى 100 مليار متر مكعب، خاصة أن الصادرات الغازية ليس عليها نظام الحصص كما هو الحال في النفط الذي تتحكم فيه اتفاقات أوبك +. إن ايطاليا على يقين أن الجزائر هي منفذُها للتحوّل لتكون الممونَ الأول لأوروبا بالغاز، كل ما سبق سيتم من خلال مدّ أنبوب جديد بين الجزائر وايطاليا على مسافة 270 كلم يحوي تقنيا قنوات لتمرير الغاز والهيدروجين والأمونياك والكهرباء.

مشروع من تحت الأرض إلى الفضاء

صحيحٌ أن الملفّ الأهمّ في زيارة رئيس مجلس الوزراء الإيطالية للجزائر كان ملفّ الطاقة، لكن اتفاقيات أخرى وُقِّعت بين الطرفين على غرار اتفاقية في مجال الأنشطة الفضائية للأغراض السلمية واتفاقية بين مجلس التجديد الجزائري والكونفدرالية العامة للصناعة الإيطالية، والهدف الأساسي الرفع من التعاون في مختلف المجالات المتاحة ولعل أهمها المجال الميكانيكي الذي سيُخرج لنا في مارس القادم أول سيارة مركّبة في الجزائر ثم أول دراجة نارية مع الرفع التدريجي لنسب الإدماج حتى نصل بسرعة إلى صناعة حقيقية للسيارات ترفع الاقتصاد وتُطمئن المواطن، وهو دليلٌ آخر على نوعية التعاون الذي نريد مع شركائنا. إن الجزائر يمكن لها أيضا أن تستفيد من التجربة الايطالية في مختلف المجالات على غرار الصناعات الغذائية، والشهية الجزائرية الايطالية مفتوحة لتوسيع مجالات التعاون في البنى التحتية الرقمية، في المجال الطبي والاتصالات والشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.

أنريكو ماتي يعود من الجزائر

إن رئيس مجلس الوزراء الإيطالي السيدة جورجا ملوني تفكر بشكل أساسي في أن تكون الجزائر بوابتها إلى إفريقيا من خلال خطة أنريكو ماتي، هذه الشخصية التي تمثل قيم التحرر والتطور في إيطاليا وتجمع البلدين نظرا لما قدمه الرجل للجزائر قبل الاستقلال وبعدها، وهو ما جعل ملوني تقرر أن تدخل إفريقيا من بابها وترغب في خلق فرص عمل مشترك من خلال رؤية الجزائر لإفريقيا، وهو ما يؤكد عودة الجزائر إلى دورها الطبيعي في إفريقيا كشريك يربط ضفتي المتوسط لخير وصالح سكان إفريقيا، فشباب إفريقيا اليوم يصنع مجد كبريات الشركات الأوروبية والعالمية، وخلق فرص في إفريقيا للشباب الإفريقي من خلال تطوير هذه البُلدان وتنمية اقتصادها سيمكّن شبابها من التفكير في البقاء في أرضه عوض أن يفكر في الهجرة غير الشرعية.

إن الجزائر اليوم تتعامل بذكاء مع الحاجات الطاقوية الأوروبية، فسابقا كنا نفكّر في تصدير الغاز والنفط فقط، أما اليوم فهناك تحوُّلٌ استراتيجي في السياسة الطاقوية من خلال الرغبة في تصدير الغاز والأمونياك والهدروجين والكهرباء، هذا التحول سيمكننا من أن نكون فاعلا رئيسيا في الأمن الطاقوي الأوروبي، وأتوقع أن تصل الجزائر لتغطي نحو 40 إلى 50 بالمئة من الحاجيات الأوروبية، وإيطاليا هي المعبر الآمن للطاقة الجزائرية، في المقابل لن تتردد إيطاليا في أن تكون مصدِّرة للتكنولوجيا إلى الجزائر خاصة في المجالات التي تتميز فيها والمتعلقة في الأساس بالصناعات الغذائية والدوائية والخدماتية وفق مبدأ رابح- رابح، ووفق علاقات تاريخية تجعل الجزائر وايطاليا مثالا للشراكة بين ضفتي المتوسط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!