الرأي

الجزائر فازت

صالح عوض
  • 1563
  • 3
ح.م

تقف الجزائر في هذه اللحظات على نهاية مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى بعد أن تمكن حَراكُها الشعبي الرائع المحمي بقوة الجيش وبصيرته أن يصل إلى معظم أهدافه ويضع حدا للتسيب والفوضى ويرسي قيما جديدة في العمل السياسي تباشر تأثيرها في كيفية تشكيل المؤسسات السيادية وترسيخ روح المسئولية والانتباه لثروات الأمة وحقوقها.

خرجت الجزائر من الامتحان الصعب الذي أراده الأعداء مصيدة تكثر فيها الدعاوى والفتن فيلحق بالجزائر ما لحق بكثير من أوطاننا العربية، إلا أن أملهم خاب، فهم لا يعرفون أن الجزائر منصورة ومسيّجة بدماء الشهداء وبحس تاريخي نابهٍ في مثل هذه التحديات وأن الوطنية القوية تصونهم من الانزلاق نحو ترغيب المستعمر واغواءاته.

إلى الانتخابات بعد أن اسقطوا العهدة الخامسة ولن يكون بعد اليوم عهدة ثالثة أبدا بأي حال من الأحوال، وجلبوا إلى المحاكم العادلة بقوة القانون وبطريقة حضارية شفافة كبار المتسببين في التسيب المالي وهدر المال العام لكي يصبح من رواسي المجتمع عدم الاقتراب من المال العام بأي سبيل كان، ثم ها هي الدولة تستعيد حيويتها للتحكم في الثروة وتحريرها من جملة قوانين وُضعت في غفلة من الزمن خدمة لطرف دولي بعينه، وها هي اللغة العربية لسان الأمة الحضاري تستعيد روحها في المؤسسات السيادية بعد أن كاد قادة البلد ينزاحون نهائيا إلى هجرها في تصريحاتهم وبياناتهم الرسمية، وها هي الدولة تُفرز مؤسَّسات لأول مرة قوية مثل السلطة المستقلة للانتخابات لتعلن أنَّ الأمر ليس بيد السلطة التنفيذية..

انجازاتٌ كبيرة ومهمة تحتاج المتابعة والبناء عليها، بمعنى آخر تحتاج سلسلة من النضالات السلمية الواعية الضاغطة لتكريس الانتصارات العظيمة التي حققها الشعب والجيش في إثبات حضور الجزائر لاستعادة عافيتها.

لا يهم من سيفوز في الانتخابات الرئاسية، المهم أن الجزائر فازت عندما زُحزحت عن ولوج الفتن، والشعب حاضر بكل قوته والجيش حارس أمين على خيارات الشعب في معركة النهوض والتنمية واستعادة التحكُّم في الثروات وبناء دولة المؤسَّسات.. وبعيدا عن الخوض في تفاصيل مشاعر المتنافسين، يجب النظر دوما إلى السياق الاستراتيجي الذي تسير فيه الأحداث وتأمُّل صيرورتها، لأن ذلك هو الذي يجنبنا الأحكام الجزئية أو الانفعالية أو المتنطعة.

فازت الجزائر وهذا هو المهمّ.. إن قراءة منصفة وهادئة لنتائج الحراك الشعبي المسنود بالجيش الوطني تقول بوضوح إن نقلة بعيدة قد تحققت والجزائر غدت عنوانا حضاريا فائق الأهمية للشعوب التواقة للانعتاق من واقع الفساد والتسيب.. إن الجزائر كرست منهجا ورسخت مفاهيم وشقت طريقا ستذكرها الشعوب الأخرى كما ذكرت لها ثورتها التحريرية المجيدة.

هنيئا للجزائريين وتحيا الجزائر قبلة الثوار وقلعة الأحرار والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة