-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
البروفيسور مختار هواري في حوار لـ"الشروق":

الجزائر قاطرة عربات التحرر وتبقى وفية للقضايا العادلة

صالح سعودي
  • 670
  • 0
الجزائر قاطرة عربات التحرر وتبقى وفية للقضايا العادلة
ح.م
البروفيسور مختار هواري

يتطرق البروفيسور مختار هواري من قسم التاريخ بجامعة باتنة1 في هذا الحوار الذي خص به جريدة “الشروق” إلى أبرز أسرار نجاح الثورة التحريرية في محاربة الاستدمار الفرنسي لنيل استقلالها، إضافة إلى مساهمتها الفعالة في الهام حركات التحرر، بدليل دورها الفعال والحاسم في استقلال عدة بلدان عربية وإفريقية.

وأكد الدكتور مختار هواري بأن خاصية الثورة الجزائرية تكن في إصرار شعبها على الاستقلال مهما كان الحال رغم كل المجازر التي اقترفها الاستدمار الفرنسي في الجزائر، مضيفا أن الثورة التحريرية حققت نصرا عسكريا على فرنسا في الجزائر وفي فرنسا، ما جعل هذه الأخيرة مهددة في كيانها.

وحسب محدثنا فإن عدالة القضية الجزائرية ومعاناة شعبها ساهم في كسب محبة وتضامن كل أحرار العالم، ما جعل يجعل الجزائر وفية للقضايا العادلة، وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية، خاصة في ظل العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة ومختلف الأراضي الفلسطيني المحتلة.

لا تزال الثورة التحريرية تشكل أنموذجا مميزا ومرجعا هاما في الصمود ومحاربة الظلم والاستبداد، فما هي بحسب رأيك أبرز مزايا وعظمة وتحديات الثورة التحريرية؟
شكّلت تجربة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي نموذجا فريدا، احتفت بها شعوب المعمورة، ورغم أنها تزامنت مع الحرب الباردة بين الشرق والغرب ولكن احتفظت بخصوصياتها، وبأنها ثورة شعبية استمدت قوتها من رحم معاناة شعبها، ومن وضوح هدفها، ومن إدراك عظمة شعبها، فلم يواجه الاستعمار الفرنسي في إمبراطوريته المترامية الأطراف مقاومة ظلت ملتهبة إلى العقد الثاني من القرن العشرين، ورغم المتغيرات الدولية التي انبثقت عن نتائج الحرب العالمية الأولى، بميلاد عصبة الأمم وانتشار شعارات حق الشعوب في تقرير مصيرها إعلانا دون تجسيدا، خاضت الحركة الوطنية نضالا طويلا بكل أطيافها، مكنت في إقامة الحجة على المستعمر وساهمت في إنماء الوعي الجماهيري للجزائري المسلم، فقد صدح الجزائريون في بيان فيفري 1943 والحرب العالمية مشتعلة مجتمعة بكل أطيافها وجاء به: إدانة وإبطال الاستعمارية أي فيما يخص الانضمام والاستغلال لشعب من طرف شعب آخر.. وطالبوا بتطبيق حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وذلك لكل البلدان الصغيرة والكبيرة، وهكذا أقامت الحركة الوطنية الحجة وانتظرت الجواب، من دولة عانت من الاستعمار النازي وقدمت نفسها قوة عالمية للسلام لتحجز مقعدا في مجلس الأمن وتعدي جورا أنها مهدا لميلاد حقوق الإنسان، فكان أن اقترفت مجزرة الثامن ماي 1945، واعتقدت بتلك المجزرة وبتهديدات جنرالها ديغول بتأكيد إرادة فرنسا التي لا تقهر، ولكن الشباب المؤمن بالعمل الثوري والمدرك لحقيقة الشعب الجزائري أشعلها ثورة مثلت نموذجا متميزا ألهم شعوب المعمورة الأعداء قبل الأصدقاء وحق لرجالها أن يفتخروا.

ما العوامل التي ساهمت في تجسيد هذه الغاية؟
لقد حولت جبهة التحرير الموجات الهائلة التي تثير الحماس الوطني للأمة إلى طاقة جبارة لإعداد ملايين الرجال فاستقطبت كل الأحزاب والجمعيات تكسر قيود الاستعمار مستغلة تناقضات المجتمع الكولونيالي المتغطرس، فأعاد الكفاح المسلح للشعب كامل وعيه بقوته وبمكامن قوة المستعمر المستمدة من سياسة فرق تسد والحرب النفسية لأجل زرع النكسة البسيكولوجية التي فرضتها السياسة القمعية في الثورات الشعبية أو في مجازر 8 ماي 1945.

ما الجوانب التي تعكس نوعية الانتصارات التي حققتها الثورة الجزائرية على فرنسا الاستدمارية؟
لقد استطاعت الثورة ليس فقط أن تحقق نصرا عسكريا في الجزائر، بل أصبحت تهدد كيان الدولة الفرنسية، فلم تجد نفعا 2 مليار فرنك التي تصرفها خزينة الدولة يوميا على قمع الثورة بالجزائر، ولم يجد نفعا لجوؤها للحلف الأطلسي ليمونها عسكريا وماليا، وأصبحت فرنسا بفضل ضربات الثوار تتساقط حكوماتها الواحدة تلو الأخرى، ولم تسقط أي جمهورية فرنسية إلا من طرف الشعوب الجرمانية والشعب الجزائري، نعم الشعب الجزائري بثورته التي أسقطت الجمهورية الرابعة وقامت الجمهورية الخامسة.

ما أهم ملاحم الثورة التحريرية وانجازاتها، وهل نفهم من كلامك أن نجاحات الثورة في الخارج قد أخلطت حسابات العدو الفرنسي في عقر دياره؟
لقد تمكنت قيادة الثورة من نقل الرعب الذي كانت تمارسه القوات الفرنسية في جبال الأوراس والقبائل والونشريس وغيرها إلى شوارع باريس وبالقرب من قصر فرساي، فقد تم نقل الثورة في أوت 1958 إلى فرنسا، فتم إحراق مخازن البترول في الجنوب الفرنسي وبقيت نيرانها مشتعلة لمدة 15 يوما، ووصل الثوار إلى رأس السلطة الفرنسية حينما قُتل العميل شكال وهو جالس بجانب الرئيس الفرنسي ريني غوتي.

بناء على كل هذا، ما أبرز خصائص الثورة التحريرية بحسب رأيك؟
إن خاصية الثورة الجزائرية تكمن في إصرار شعبها رغم كل مجازر المستعمر في 11 ديسمبر 1960 وفي 17 أكتوبر 1961 وقصف القرى بالنابالم ولا الإعدامات العشوائية والتعذيب اللاإنساني، كما تميزت أيضا بوضوح المبدأ وتبلور الغاية، فلا وقف للقتال إلا بوحدة التراب ووحدة الأمة وبالسيادة الكاملة. لقد أكد المجاهدون على شجاعة منقطعة النظير فرغم قلة إمكاناتهم العسكرية إلا أن معاركهم تدرس في أكبر الكليات العسكرية كمعركة الجرف ومعركة سوق أهراس وغيرها وكانت ضرباتهم موجعة جعلت جنود المستعمر يتمردون ويرفضون المجيء إلى الموت الحمراء، ويعترف المتغطرس بيجار الذي تلقى رصاصة في مقتل بجبال النمامشة كان يعتقد أنه في نزهة فحمل على نعش وكاد أن يقضي نحبه.

ما أسرار نجاح الثورة التحريرية في الخارج؟
لقد ألهمت الثورة الجزائرية كل أحرار العالم وذلك لعدالتها وصدق وإخلاص أبنائها، وقوة دبلوماسيتها التي دكت اللوبي الفرنسي مع القوى الاستعمارية، فلم تترك مكانا في المحافل الدولية إلا طرقته، فاستقطبت الكتلة الأفروآسيوية في باندونغ أفريل 1955، ودخلت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة العاشرة سنة بعد اندلاع الثورة وخريف 1955 وفرضت وجودها وبالمقابل لم تجد فرنسا من سبيل سواء اعتماد سياسة الكرسي الشاغر.

كيف تقرأ فعالية الشق الدبلوماسي في مسار الثورة التحريرية؟
لقد تمكنت دبلوماسية الثورة من اختيار رجال أكفاء مثل امحمد يزيد وسعد دحلب ومحمد خيضر، وأحمد توفيق المدني والشيخ الغسيري وفرانس فانون هذا الأخير كان ممثلا للحكومة الجزائرية بغانا وكان يحظى بإعجاب وتبجيل من الأفارقة وهو نموذج نادر للمناضل ثائر قوي الأسلوب والحجة وبروح إنسانية المعذبة الثائرة والتي تجلت في صورة الإنسان الجزائري النموذج.

كيف تسنى للثورة التحريرية كسب أصدقاء نوعيين على المستوى الإقليمي والقاري والعالمي؟
إن عدالة القضية الجزائرية ومعاناة شعبها كسبت إلى جانبها كل أحرار العالم، صحيح أن الحضن الطبيعي للقضية الجزائرية هو بعدها المغاربي والعربي الإسلامي فقد وقف الأشقاء في تونس خاصة ممثلها بالأمم المتحدة سليم المنجي، وكان الشيخ السنوسي خير معين للقضية الجزائرية وكانت مصر الناصرية تدعم الثورة وتفتح لها أبواب المؤتمرات العربية، والآفروآسيوية ونفس الشيء يقال على الإخوة في العراق وسوريا والمملكة العربية السعودية، كما كسبت الثورة الرأي العالمي الحر فكان حتى من الفرنسيين مثل فرانسيس جونسون الذي كان ضمن حملة الحقائب وجاك فرجاس، وتمكنت الثورة من كسب بعض نخب اليسار مثل جون بول سارتر الذي كتب “عارنا في الجزائر” وسيمون بوليفار. وكسبت بفضل عدالة قضيتها شخصيات عالمية كالسيناتور جون كينيدي الأمريكي وغيره

ما الآثار الإيجابية التي خلفتها الثورة التحريرية وطنيا وإقليميا وعالميا، وهل يمكن القول إن الثورة التحريرية ساهمت بشكل أو بآخر في تحرير عدة بلدان بشمال إفريقيا مثل تونس والمغرب؟
لقد تمكنت الثورة من كسر أغلال الاستعمار الفرنسي في القارة الإفريقية. فبفضل ضربات ثوار الجزائر تهاوت الإمبراطورية الفرنسية، فقد اضطرت فرنسا منح الاستقلال الذاتي لتونس والمغرب سنة 1956 لتتفرغ للقضاء على الثورة الجزائرية. وكان لاستمرار ثوار الجزائر القتال وعدم قبولهم بأنصاف الحلول -رغم إغراءات الجنرال ديغول في مناوراته لتقسيم الجزائر- إلا أن الإصرار على مواصلة الكفاح مكّن الأشقاء من دول الجوار استكمال سيادتهم، حيث تمكّنت تونس من استرداد بنزرت، وهنا نستحضر ما قال المهدي بن بركة الزعيم المغربي: “يجب أن لا ننسى مطلقا أن الشعب الجزائري الذي لا يزال يكافح من أجل استقلاله هو الذي أعطى إشارة المسيرة من أجل تحرير إفريقيا الفرنسية.. إن الثورة الجزائرية هي بالتأكيد التي دقّت ناقوس الخطر على المصالح الفرنسية في إفريقيا”.

ما الجوانب التي جعلت الثورة التحريرية مثالا يقتدى به في مجال حركات التحرر، وكيف لعبت دورا حاسما في تصفية الاستعمار الفرنسي بإفريقيا؟
كان الأفارقة يدركون أن أبشع أساليب فرنسا وأكثر مقدراتها العسكرية كانت مركزة في الجزائر كونها مستعمرة استيطانية سوقت فرنسا وتوهمت أنها “قطعة من الأرض الفرنسية”، ولكنها لم تستطع قهر عزيمة الجزائريين، فسقطت صورة فرنسا لدى الأفارقة، فحينما وصل ديغول للسلطة عقب انقلاب 1958 طرح مشروع دستور طرح فيه قيام اتحاد فيدرالي بين فرنسا ودول إفريقيا ليخضعها للولاء الفرنسي كمساومة للأفارقة وقد بينت الجزائر أبعاد هذا المشروع للأفارقة، ولكن تضامن الأفارقة فيما بينهم. فاضطرت فرنسا لأن تعترف باستقلال عدد كبير من المستعمرات الإفريقية للتفرغ للثورة الجزائرية فنالت 14 دولة استقلالها سنة 1960 وهي: الكاميرون ومدغشقر والزائير والصومال والبنين والنيجر وإفريقيا الوسطى وكوت ديفوار والكونغو وبوركينافاسو والغابون والسنغال وتشاد وموريتانيا والتحقت باقي المستعمرات بها حتى بلغت 40 مستعمرة أفريقية التي كانت تحتلها كل الدول الاستعمارية.

مادامت الثورة الجزائرية لعبت دورا حاسما في تصفية الاستعمار الفرنسي في إفريقيا، فكيف كان رد فعل الدول الإفريقية تجاه الثورة الجزائرية؟
لقد لخّص لويس كابرال زعيم ثورة غينيا بيساو مكانة الجزائر قائلا: “إذا كانت مكة قبلة المسلمين وروما قبلة المسيحيين فإن الجزائر قبلة الثوار الأحرار”. وبقدر ما كانت الجزائر تكافح بعزيمة كان التضامن الإفريقي يزداد متانة رغم محاولة فرنسا إغرائهم بالمشاريع الوهمية كمشروع اقتطاع الصحراء الجزائرية مع دول الجوار وتشكيل اتحاد المناطق الصحراوية للاستفادة من خيراتها ولكن رد رئيس النيجر مخيبا لآمال الفرنسيين. ولعل تصريح رئيس الكونغو باتريس لومومبا حينما زاره فرحات عباس قائلا: “إنني أؤكد للرئيس فرحات عباس ووفده تضامن الشعب الكونغولي خاصة والشعوب الإفريقية عامة مع الكفاح البطولي الذي يقوده الشعب الجزائري من أجل الحرية.. إن المشكل الجزائري كما صرحت بنيويورك: أننا نساند بدون تحفظ جهود إخواننا الجزائريين إن المشكل الجزائري بالنسبة لنا هو مشكل القارة الإفريقية بأسرها”.

ما أبرز رسائل ثورة التحرير التي يمكن الاستفادة منها في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني الذي يعاني من تواصل العدوان الصهيوني؟
إن التوقف عند محطات الثورة الجزائرية وعند عزيمة رجالها وحنكة ممثليها ووحدة صفوفهم ووضوح هدفهم، ونكرانهم لمصلحتهم الشخصية العابرة، لهي رسالة لكل الشعوب التي لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار، وفي مقدمة ذلك الشعب الفلسطيني الذي لا تزال تتواصل معاناته أمام مرأى ومسمع العالم كله. لذلك فالثورة الجزائرية مدرسة وكتاب مفتوح مرشد وملهم لكل من تاهت به السبل لأجل التحرر، وهي كذلك الطريق الأمثل الذي يصل لبر الآمان يمكن أن يستفيد منه كل مضطهد وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يصارع كل قوى الشر والقوى العالمية المتصهينة، فما ضاع حق وراءه طالب.

هل من إضافة في الأخير؟
صفوة القول، فإن دبلوماسية الجزائر اليوم التي تقف مع القضايا العادلة وبكل جرأة حتى ولو عرّضت مصالحها للخطر، فإنها لن تتاجر بالمبادئ التي نهلت منها إبان الثورة الجزائرية، والذي يُرشدنا أن “ليس هناك في السياسة صديق دائم ولا عدو دائم إنما هناك مصالح دائمة” نقول: ابحثوا أيها المتوهمون عن المصالح الدائمة التي تجنونها من القوى الإمبريالية فلن تجنوا سوى العار والمهانة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!