-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر قلب ينبض في جسد عربي

الجزائر قلب ينبض في جسد عربي

لم تكن الذاكرة يوما ملأ فراغ راهن، فهي امتداد بديهي لتفاصيل زمن دونت أحداثه التي أسست لحاضر جديد تمتد آفاقه المستقبلية بلا انقطاع، فرضت ضرورة التذكير إحياءها من أجل أن تترسخ في ذهن جيل جديد بات يخضع لتقنيات عالم رقمي فتح قنوات الاتصال فوق سماوات مفتوحة على مضامين استهلاكية تكاد تنسي القيم الأخلاقية للهوية وأسس بنائها والحفاظ على ديمومتها.

والذاكرة التي تنطوي على ذلك المعنى، تتخطى لغة الخطاب السياسي الدعائي، وترتقي صيغ الكتابة الأدبية في تدوين وقائع تاريخية، دونتها حصيلة كبيرة من الوثائق المحفوظة في رفوف المكتبات، ليتواصل مع جيل جديد عبر هذا القاسم الروحي المشترك بين شعبي العراق والجزائر في أزمنة مواجهة التحديات الكبرى.

ما حملته رفوف المكتبات من وثائق جاء مجسدا لملحمة ثورة الجزائر الكبرى التي وجدت في العراق خندقا خلفيا لها، يغذي خنادق مواجهاتها الأمامية وفق ما يراه المجاهدون الكبار الذين عاشوا الحدث الأكبر، وقدموا شهاداتهم التاريخية حول الموقف العراقي الداعم لأكبر معارك تحريرية شهدها التاريخ السياسي المعاصر في العالم العربي والعالم الثالث.

فصول تكشفها الوثائق التاريخية بمنهجيتها المتكاملة، أحداث كانت غائبة عن الذاكرة، وبعض تفاصيلها لم تدون من قبل، فحققت إضافات إلى المكتبة العربية، والمكتبة الجزائرية تحديدا، أدرك الباحثون والدارسون في مراكز أبحاث الثورة الجزائرية أهميتها.

جملة من العناوين قدمت في محتويات نصوصها وقائع التلاقي الشعبي العراقي ـ الجزائري كان من بينها :

  • الجزائر قلب ينبض في جسد عربي.
  • التبشير بثورة الجزائر في مساجد العراق بلسان جزائري.
  • العراق أول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة.
  • استقلال الجزائر.. أعراس في بغداد.

فقد رأى العراقيون في ثورة الجزائر انقلابا على الروح الاستسلامية التي عمت أقطار العالم العربي إثر نكبة ضياع فلسطين عام 1948، واعتبروا دعمها واجبا وطنيا وقوميا مقدسا ترتقي به الأمة العربية على طريق استعادة أمجادها العظام.

يضحى جليا ذاك المشهد الشمولي في الموقف العراقي من الثورة الجزائرية، حين يبرز ما نالته هذه الثورة من نصيب كبير في الخطاب الديني، الذي عممته جوامع ومساجد العراق في جميع المدن والقرى دون استثناء، حتى أن جامع الأمام أبي حنيفة النعمان استقبل العلامة الجزائري الراحل البشير الإبراهيمي فاعتلى منبره مبشرا بقرب اندلاع معارك التحرير في الجزائر عام 1951.

خصص القطاع الإعلامي العراقي مساحات واسعة لإعلام الثورة الذي يقدمه عبر إذاعة بغداد مكتب الاستعلامات الجزائري، بأصوات إعلاميين جزائريين كان أشهرهم الإعلامي الراحل عيسى مسعودي، وشاعر الثورة مفدي زكريا.

وتبقى الذاكرة التي يطلق تفاصيلها في وثائق تؤرخ لوقع الثورة الجزائرية على الشعب العراقي، تنبض في زمن معاصر، نقرأ فيها ما قاله الراحل توفيق المدني وزير الشؤون الثقافية في الحكومة الجزائرية المؤقتة لحظة الإعلان عن قيامها في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:

“وما كدت أنتهي من قراءة النص العربي لإعلان الحكومة المؤقتة ومناهجها، حتى تقدم سفير العراق المحامي فائق السامرائي الثائر الغائر، فأعلن اعتراف العراق بالحكومة الجديدة”.

هذا فصل من فصول وقائع تاريخية معاصرة، تجسد ذلك التلاحم الروحي بين شعبي العراق والجزائر في مواجهة التحديات الكبرى، نفض عنها غبار النسيان، وفتحت أوراقها المدونة بتفاصيلها الدقيقة لتطلع عليها أجيال جديدة لم تعش الحدث.

الدبلوماسية كانت من أهم أسلحة العراق في دعم الثورة الجزائرية، مستندا إلى ثقله السياسي في منطقة الشرق الأوسط وانتفاضة جماهيره التي لم تهدأ حتى نالت الجزائر استقلالها، فالحكومات العراقية المتعاقبة رأت منذ البدء ضرورة ربط الدعم الدبلوماسي بالدعم العسكري باعتباره اختيارا حتميا لا بد منه في بلوغ أهداف معارك التحرير في الجزائر.

شهادات ثلة من كبار المجاهدين دونت في أصدق الوثائق ما حملته ذاكرتهم أيام الثورة التي بلغ صداها جميع مدن وقرى العراق، فكانت المجاهدة جميلة بوحيرد التي قالت :

“أنا أحمل للعراق حب الوطن، حب الانتماء للبلد الذي شرفني بالجنسية ومنحني حق الانتماء إليه”.

فبغداد فرشت الأرض رملا في طريق تقطعها ثائرة جزائرية، جعلها المبدعون رمزا في روائع الأدب والفن، فكان اسمها صرخة توحدت في حناجر الشعوب التي ترفض الظلم والاستبداد.

ويرى المجاهد منسل الصديق خصوصية عراقية عاشها في بغداد تتمثل في حرص مؤسسات العلوم العسكرية العراقية التي تلقى علومه الأمنية فيها، على تزويد المجاهد الجزائري بما يحتاجه مقاتل يمتلك خصمه أحدث أدوات القتال، وأكثرها تطورا.

أما الأديب والمؤرخ المجاهد عثمان السعدي الذي قدم كتابه الشهير الثورة “الجزائرية في الشعر العراقي” فقد قال إن العراق مثلما احتضن الثورة بين ذراعيه وبدفء قلبه، قد احتضن رسالة الماجستير التي قدمتها في جامعة بغداد وضمنتها قصائد شعراء العراق عن ثورة الجزائر”. والمرجعيات التاريخية التي استند عليها الكاتب لم تكن مجرد وثائق صياغات لحدث تحرري بلغ صداه كل مدينة وقرية وزقاق وبيت عراقي، فقد جعل من النصوص الأدبية والشعرية، دلائل مرجعية، تعطي للحدث بعدا أكبر وأشمل، جسدها في فصل ‘الثورة الجزائرية في الأدب العراقي’ الذي قال فيه :

” يحق لي أن أصف إبداعات الأدب العراقي التي أفردت مضامينها للثورة الجزائرية الكبرى بالدعم الروحي والنفسي الذي يضخه الأديب أو الشاعر في خضم المواجهات المصيرية، فهو اعتاد دوما أن يكون في قلب المواجهة، وأداة من أدواتها الفاعلة في محيط عالمه العربي”.

وعاد بنا إلى إرث شاعر الفراتين محمد مهدي الجواهري والشاعرة نازك الملائكة وشاعر المطر بدر شاكر السياب والشاعر عبد الوهاب البياتي الذين تغنوا بالثورة الجزائرية، فبقي اسمهم حيا في ذاكرتها.

ظلت أبواب البلدين مفتوحة على مصراعيها وهما يلتقيان منذ البدء في المواقف والمبادئ تجاه القضايا العربية المصيرية وقضايا التحرر في العالم على امتداد مراحل التاريخ، كما التقيا في مواجهة المحن التي استهدفت وجودهما وأمنهما واستقرارهما، فلم يكن هذا التلاقي محض صدفة طرأت على واقعنا، فهو تلاق عمقته تلك القواسم المشتركة بين الشعبين الشقيقين في موقفهما من قضايا الحياة الإنسانية والدفاع عن وجودهما أمام أية قوة عاتية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • مواطن

    أمجاد العرب بدون الإسلام ماهم سوى مجموعة من الأصفار.

  • Hanna

    امشووووووا خلونا ترونكيل يالعرب.....

  • مواطن

    الجزائر قلب ينبض في جسد مسلم.