-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر محروسة بالقرآن رغم كيد فرنسا

الجزائر محروسة بالقرآن رغم كيد فرنسا

لم تقتصر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر على استهداف الإنسان والممتلكات الماديّة والطبيعية، بل لعلّ الأخطر منها ما كان موجَّهًا لاستئصال الهوية العربية الإسلامية للجزائريين.

 وليس ذلك أمرًا غريبًا على احتلال صليبي حاقد، رفع جنوده الإنجيل في يد والبندقيّة في اليد الأخرى، إذ كان من أهدافه الرئيسة تنصير الشعب الجزائري وفرْنسته عقيدة ولسانًا ليسهل انقياده لاحقًا وإدماجه.

لذلك شنّت فرنسا الملعونة، منذ وطئت أقدام جيشها الغاشم أرض الطهر، حربًا شرسة بحق المقدسات الإسلامية في بلادنا، منتهكة بنود اتفاق تسليم مدينة الجزائر، بل وكل الشرائع والأعراف تجاه أماكن العبادة.

 لقد قام الاحتلال الفرنسي بتحويل 400 مسجد إلى كنائس، وهو رقمٌ كبير في ذلك الزمن، مثلما هدم المئات منها أو حوّلها إلى أغراض أخرى، منها إسطبلات للحيوانات. ومن أهم تلك المعالم الحضارية التي كانت مسرحًا لجريمة الاستعمار الشنيعة، مسجد كتشاوة العثماني، بحي القصبة العتيق، وقد أستُشهد فيه 4 آلاف مُصلٍّ، بعد أن حاصرهم جيش العدوّ بالمدافع وأبادهم، رافضين سيطرة الاستعمار عليه، وفق تصريح الرئيس تبون.

ومنها أيضا مسجد سيدي غانم التاريخي الذي بناه الصحابي أبو المهاجر دينار سنة 59 هجري في مدينة ميلة، قبل أن يحوّله الاستعمار إلى ثكنة عسكرية، ثم حاول هدمه، لكن آثاره ظلت شاهدة على طريق الفاتحين المسلمين.

كان الاستعمارُ يدرك تماما ارتباط الإسلام والقرآن باللغة العربية، لذلك حارب هذه الأخيرة بكل الطرق، ليفرض التجهيل الديني والثقافي والتعليمي على الجزائريين، إذ أصدر الحاكم العام الفرنسي في 24 ديسمبر 1904 قرارا يحظر السماح لأي معلم جزائري بفتح مدرسة لتعليم العربية من دون الحصول على رخصة مشروطة من السلطة العسكرية.

وفي 08 مارس 1938، تبعه قرار آخر عن رئيس مجلس الوزراء آنذاك كاميي شوتون يمنع استعمال اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية فوق أرضها.

إنه من السهل فهم السلوك الفرنسي تجاه الهوية الوطنية الجزائرية، ليقين الاستعمار أنها العقبة الكؤود أمام مشروعه الاستيطاني، إذ كان حاكم الاحتلال يردد قائلا: “يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم”.

وهذا ما سعى الكاردينال “لافيجرى” إلى تجسيده ميدانيًّا، حتى لقبوه بـ”أبو التنصير” في الجزائر وإفريقيا، فقد بلغ المشروع التنصيرى في عهده ذروته، حيث ﻜﺎﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﺍﻟﻴﺴﺮﻯ ﺇﻧﺠﻴﻼ ﻭباليمنى ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ، لكن الأحرار آثروا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﺟﻮﻋًﺎ، ليفشل ﺍﻟﻜﺎﻫﻦ ﺍﻷﻋﻈﻢ على رأس الأسقفيّة في صرف الجزائريين عن دينهم.

وخير شاهدٍ على خيبة المشروع التنصيري للاحتلال في الجزائر، ذاك التصريح الشهير لوزير المستعمرات يومها “لاكوست”، حين صرخ في قومه “ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟”، وجاء كلامه في معرض الردّ على النقد اللاذع للصحف الفرنسية، بخصوص ظهور فتيات جزائريات بلباسهن الإسلامي الجزائري (الحايك)، خلال حفل تخرُّج بعد 10 سنوات من التكوين الموجَّه لطمس الهويّة.

وبعد 132 سنة من الحرب على القرآن والعربية وجهود التنصير وهدم المساجد وغلق المدارس وتدمير الزوايا واغتيال الأئمة خلال المقاومات، ثم حرب التحرير الكبرى، ها هو جامعُ الجزائر الأعظم ينتصب شامخًا في منطقة المحمديّة على أنقاض “لافيجري”، بصفته ثالث أكبر مسجد عالميًّا بعد الحرمين المكي والمدني، تنطلق منه حناجر المقرئين الجزائريين نحو أصقاع الدنيا، وتحفّه الملائكة في دروس إيمانيّة علميّة، يتداول عليها علماء المحروسة من جيل الاستقلال، ليكون منارةً لبلاد الشهداء التي تضيء ما حولها من بلدان الإقليم الإفريقي والعربي.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تسجيل نحو مليون طالب يتوزعون عبر أزيد من 18 ألف مدرسة قرآنية في الجزائر، ناهيك عن مساجد الجمهوريّة التي تجاوز تعدادها 20 ألفا، ما يضع بلادنا بين الدول الإسلامية الأكثر تشييدا للجوامع.

إنّ الاهتمام الرسمي والشعبي منقطعِ النظير بعمارة بيوت الله والارتقاء بالتعليم القرآني في الجزائر هو ما يقف خلال السنوات الأخيرة وراء بروز النوابغ من حفظة كتاب الله في تصدّر امتحانات البكالوريا ونهاية الطور الإكمالي، وكذلك ظفر المقرئين والحافظين الجزائريين مؤخرا بالمراتب الأولى في مختلف المسابقات القرآنية الدولية.

وقد أظهر نقل صلاة التراويح عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، خلال شهر رمضان، كمْ أن الجزائر تزخر بالقرّاء الكبار المُتقنين حفظًا وتلاوةً وأحكامًا، حتى من صغار السنّ، وكذلك تتويج الآلاف من الحفظة الجدد في مختلف ولايات الوطن، مثلما عاشته مدينة أدرار الأسبوع الماضي بتكريم 1500 حافظ صغير دفعة واحدة، و64 طالبة من خاتمات القرآن الكريم في إحدى الإقامات الجامعية بمدينة الأغواط، وقبلها تخرّج 171 حافظ وحافظة بولاية أم البواقي، وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

إنّ هذه الثمرات الطيبة تستوجب المزيد من العناية بالمشاتل القرآنية، واستفادة القائمين عليها من قواعد الإدارة العصرية في تسييرها، فضلا عن توظيف التكنولوجيات الجديدة في التعليم القرآني، مثلما تكرّسه “مُقرِئة الجزائر الإلكترونيّة” لوزارة الشؤون الدينية، وكذا مشروع النهضة بالقرآن الكريم لجمعية المعالي، وغيرهما من المدارس القرآنية الرائدة وطنيًّا وجهويًّا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!