-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر ودبلوماسية الأنابيب

بقلم: علي لكحل
  • 1080
  • 0
الجزائر ودبلوماسية الأنابيب

حينما كان القذافي رحمه الله يدعو إلى الوَحدة المغاربية، كان يريدها وَحدة فورية سياسية، بينما كانت الجزائر ترى أن الأبعاد التي توحّدنا سياسيا غير كافية لوَحدة حقيقية ولذلك، لابد أن تشعر شعوب المنطقة ونظمُها بوجود مصلحة حقيقية بينها لا تُبنى على الشعارات السياسية فقط..

ولذلك يصبح الاقتصاد الآلية الدافعة لتبادل منافع حقيقية للوحدة، ولذلك حينما فكرت الجزائر في مد أنابيب الغاز إلى أوروبا، جعلت الطريق إلى أوروبا يمر عبر بوابتي تونس والمغرب، قصد التعبير عن التضامن مع شركاء الاتحاد المغاربي، لندرة تلك الموارد بها.

إن المنطق نفسه كان يحرِّك دبلوماسية الأنابيب نحو اسبانيا وايطاليا، لجعل الشراكة المتوسطية، لغة اعتماد متبادل للضفتين.

 عام 1983، ومرورًا بتونس، تم نقل الغاز إلى إيطاليا بطول 1025 ميل. وابتداء من 2019 وافق البرلمان التونسي على تحديد إتاوة تقدر بـ5،25 بالمائة من كمية الغاز المنقول عبر أراضيها. ويمثل الغاز الجزائري بين إتاوة وشراءات نحو 66% من الاستهلاك الوطني التونسي سنة 2020.

وفي عام 1996 ونحو اسبانيا مدت الجزائر أنبوبها عبر المغرب، ويبلغ طوله 325 ميل، حصة المغرب فيه من الغاز تُقدّر بـ0.5 مليار متر مكعب، وهي تغطي 50% من احتياجات استهلاك المغرب، و17% من إجمالي إنتاج الكهرباء. وإلى إسبانيا مباشرة خط ميدغاز وطوله 125 ميل.

الجزائر وهي تخطو خطواتها نحو إفريقيا، اليوم تحاول أيضا جعل  إفريقيا تشعر بثمار التعاون والشراكة الإفريقية من خلال مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، والذي يمرُّ عبر النيجر، وجعله في خدمة المنفعة المشتركة لشعوب الدول المعنية، وطوله 2602 ميل.

للأسف أن دبلوماسية الأنابيب التي بُنيت على مفهوم التعاون والشراكة والوحدة والتضامن، تعرَّضت للطعن من نظام المخزن، الذي استمرّ في نيّاته التوسعية واستحضر الكيان التوسعي على حدودنا، ليقطع اليد التي مدّت له العون.

وفي الإطار المتوسطي انتصر رئيس حكومة اسبانيا للمنظور الاستعماري، وتجاوز الموقف التقليدي لبلاده تجاه قضية الصحراء الغربية، فكان ذلك سببا في فك الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.

إنَّ سياسة اليد الممدودة للأشقاء والأصدقاء، ودبلوماسية الأنابيب التي هدفت الجزائر من خلالها إلى منح الشعارات السياسية مدلولها المادي والنفعي للشعوب، قوبلت لدى البعض بنكران الجميل، لكنها وبفضل من الله ثم بحنكة الدبلوماسية تحولت تلك الأنابيب إلى أداة لعقاب من يهدد أمننا القومي، وارتفع الطلب الدولي على الغاز الجزائري أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يتيح للجزائر تحسين وضعها التفاوضي تجاه عديد القضايا.

لكن يشاء ربُّك وأنت تشاء ولا يكون إلا ما شاء، فتأتي الأزمات متتاليات: جائحة الكوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية، ويصبح الغاز الجزائري مطلوبا في كل أوروبا.

إنَّ سياسة اليد الممدودة للأشقاء والأصدقاء، ودبلوماسية الأنابيب التي هدفت الجزائر من خلالها إلى منح الشعارات السياسية مدلولها المادي والنفعي للشعوب، قوبلت لدى البعض بنكران الجميل، لكنها وبفضل من الله ثم بحنكة الدبلوماسية تحولت تلك الأنابيب إلى أداة لعقاب من يهدد أمننا القومي، وارتفع الطلب الدولي على الغاز الجزائري أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يتيح للجزائر تحسين وضعها التفاوضي تجاه عديد القضايا.

إن دبلوماسية الأنابيب، التي بدأت من السبعينيات، إلى اليوم، هدفت لتعزيز موقع الجزائر، لكنها أيضا جعلت جيرانها شركاء في التنمية، وهذا هو الفهمُ الحقيقيّ للشراكة والتضامن والوحدة، مفهومٌ يركز على المنفعة الاقتصادية، ويمنح شعوب المنطقة الشقيقة دلالاتٍ اجتماعية وتبادل منافع حقيقيّا، يضاف إلى رصيد الأخوّة والجوار رصيدا رقميا تستشعره شعوب المنطقة.

وكلنا يتذكر أن الاتحاد الأوروبي بدأ أول خطواته عام 1951م حينما توجهت 6 دول أوروبية إلى تأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ، ثم السوق الأوروبية المشتركة، ثم الاتحاد السياسي والاقتصادي، فقدمت الوحدة الأوروبية دلالاتٍ للمنافع المشتركة رغم اختلاف أنظمتها السياسية.

ويبدو أن الجزائر حاولت ضمن هذا الخيار الربط بين مدلول الوحدة والصداقة، والمنافع المتوقعة من الشراكة التي تستجيب للطموحات الحقيقية لشعوب المنطقة في التنمية، تضاف إلى وحدة الجغرافيا والتاريخ المشترك.

الصين أيضا ترفع شعار المنفعة المتبادلة للشعوب والدول في مشروعها الكبير: الحزام والطريق، إذ لم تكتفِ بشعار التضامن مع الدول النامية وإنما حوّلته إلى دلالات رقمية، فأصبحت بداية من 2009 المتعاملَ التجاري الأول مع إفريقيا، بل إنها منحت لبعض الدول في إطار المنافسة الدولية، الفرصة للتخلص من ضغوط التفاعل الاقتصادي مع دول غربية جعلت المشروطية السياسية أداةً لاستمرار المصالح الاستعمارية السابقة.

وهكذا أينما نولي الوجهة شرقا وغربا، نجد أن الاقتصاد وتبادل المنافع الذي يجعل التنمية إحساسا تشعر به الشعوب، وليس مجرد خطابات وشعارات للسياسة، أصبح أداة عالمية لاستمرار الصداقات، وبناء الثقة.

ودبلوماسية الأنابيب هي في جزء منها تعبيرٌ عن هذا التوجه العالمي، يجعل تونس والمغرب والنيجر ونيجيريا والجزائر، شركاء في التنمية.

لكن الرؤية الضيقة للجارة الغربية، دفعت إلى حرمان شعبها من حصاد التعاون، وراحت تنسج خيوط عنكبوت واهية مع أعداء الأمة (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت).

والفرق شاسعٌ بين من يبني شبكة علاقاته بأنابيب مصهورة من حديد، وبين من ينسجها بخيوط العنكبوت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!