الشروق العربي
في ظل أزمة السكن الحادة في الجزائر ..

الجن يسكن بيوتنا ..و أرواح تقاسمنا الطعام!

الشروق أونلاين
  • 33958
  • 28

ينجو من حادث مرور قبل أن يكتشف أن السبب مجرد .. طيفتوقظها أمها صباحا كي تدرس قبل أن تكتشف أن والدتها تغط في نوم عميقتجد آثار طبخ وتسمع أصوات أوان ولا أحد في البيت سواها …

 من منا لم يعش لحظات غريبة أو مخيفة في حياته أو يسمع عنها؟ فكثيرا ما توارد إلى الأسماع أنباء عن شقق وبنايات يسمع في ليلها الساكن أصوات الأواني تكسر أو تقرع فيها أقدام أو ترى من خلال نوافذها أضواء أو تلتهب بها ألسنة نيران تلفت نظر المارين أو الجيران الذين يدركون أن تلك الشقق غير مأهولة بالسكان، كثيرا ما نسجت حكايات اللامنظور صورا مرعبة في أذهاننا خصوصا وإن كان من عايشها يتمتع بقدر من الصدق والثقة التي لا يرقى إليها شك، نحاول في هذا الروبورتاج رصد بعض من تلك الحالات وعلاقتها بعالم الجن من خلال أهل الإختصاص.

ظواهر غريبة ومخيفة يقيم لها الغربيون معاهد وأبحاث ونكتفي بردها لعالم الغيب

في جنح الليل وسكونه، ووحشة المكان وعزلته .. قد تبدو هاتان الصفتان الزمكانيتان كفيلتان لوحدهما بنسج حكايات قد يخالها من يقرأ هذا الروبورتاج أشبه بفيلم رعب، فالإثارة والغرابة وكذا عامل التخويف أبرز ما رافقنا أثناء إعداد هذا الروبورتاج الذي مهما بلغت غرابة ما روته عيناتنا إلا أنها تبقى أولا وأخيرا من وحي الواقع وعمق مجتمع يحمل في طياته ما قد يوافق ما ستقفون عليه من حكايات عيناتنا..

ففي الوقت الذي تقام في الغرب دراسات وتتفرغ كليات للبحث وراء كوامن وتفسيرات قد تزيح الغموض عن تلك الظواهر، إذ يتولى فرع البارابسيكيلوجيا النفسي ذلك، فالتداوي بالتخاطر أو بإستعمال القوة الذهنية عينة من مستخلصات بحوث في ذلك الميدان، فيما ترد الشعوب العربية والإسلامية نفس الظواهر فتدرجها في إطار عالم الجن واللامنظور.

“أطياف” تتسبب في حوادث مرور وأخرى تطرد عائلات من بيتها و”لعبة” تعيق شابة في مقتبل العمر

حاولنا منذ نشأتنا الأولى ونحن صغارا التطفل على تلك العوالم من خلال مختلف الألعاب المتعلقة بها،  ف esprit لعبة استحضار الجن التي كثيرا ما آلت نهاياتها إلى ما لا يحمد عقباه شكلت صدمة كبيرة بالنسبة لـ “هدى” العاملة كإطار ببنك الجزائر التي تروي أنها شاركت مجموعة من بنات العم والخال في أحد الأعراس اللعبة بعد منتصف الليل قبل أن تعود على إحداهن بالسلب فتسبب لها حالة من التصلب والتيبس مع ازرقاق في جسدها لم تجد معها أدوية الأطباء ولا رقية الأئمة في علاجها.

يروي صالح، وهو شاب في الثلاثينيات من العمر أنه نجا من الموت بأعجوبة ذات ليلة بسبب شيخ عجوز ـ خيل إليه ـ أنه كان يهم بقطع الطريق السريع، حيث المنعرج الذي يؤدي إلى مدخل مدينة القبة بالعاصمة، لكن الغريب ـ حسب ما رواه لنا صالح ـ أنه لم يجد الشيخ لما نزل من سيارته لتفقد حالته قبل أن يفاجئه صديقه الذي يقطن في نفس الحي أن عدة مارة تكررت معهم نفس الحكاية وأن الذي يهم بقطع الطريق ليس سوى “طيف” أو “خيال”، حيث يردد سكان الحي رواية تفيد بأن امرأة كبيرة في السن دهستها سيارة بنفس المنطقة حين كانت تبحث عن ابنها قبل أن يلوذ صاحبها بالفرار ومن ذلك الحين نسج سكان الحي وكل من مر بتلك الطريق وعاش حادثا مماثلا

عدة حكايات وروايات وصل آخرها أن سيارة تنقلب كل جمعة تقريبا أو يحدث حادث مرور يخلف قتلى أو جرحى بصورة دورية.

“حسيبة” شابة في ربيعها الثاني، خريجة علوم سياسية وعلاقات دولية بجامعة الجزائر إلتقيناها وهي تهم بدخول أحد متاجر بيع الألبسة بوسط العاصمة، رافقناها وفتحنا معها الموضوع فروت لنا أنها أوصت والدتها بأن توقظها ذات يوم على الساعة الخامسة صباحا قصد مراجعة دروسها والتحضير لامتحانها فكان لها ما أرادت، وفي حدود الساعة الثامنة والنصف تقول حسيبة “ارتديت ملابسي وذهبت للمطبخ كي أحتسي فنجان قهوة رفقة أمي قبل مغادرة المنزل إلى الجامعة فشكرتها في خضم الحديث على إفاقتي فكان أن اعتذرت ضاحكة على عدم نهوضها ظنا منها أني ألومها بطريقة ساخرة قبل أن أؤكد لها أنها جاءت فعلا لتوقظني في الموعد وعندها تفاجأت كلتانا وعم سكون مريب المكان بعد أن أكدت لي أنها لم تستيقظ، فمن أيقظني إذا.. هذا ما لم نجد له إجابة أنا ووالدتي”.

بباب الواد، إلتقت الشروق العربي بالسيدة “سعدية” ساعدناها في حمل قفة أرهقها وزنها فكانت فرصة فاتحناها من خلالها بموضوعنا فقالت أن ابنتها تزوجت منذ قرابة الثلاث سنوات وعاشت رفقة زوجها بفيلا تطل على البحر بأعالي العاصمة بباب الواد “لكنها لم تهنأ بعيشها، إذ أنها استحالت إلى صفة غير تلك التي كانت عليها حين زواجها، حيث ما فتئ وزنها ينقص مع مرور الوقت بسبب حالة الخوف والهلع التي عاشتها، حيث كانت تسمع أصواتا في مطبخها ليلا لتجد آثار قهوة أو أكل رغم عدم تحضيرها لها لا هي و لا زوجها، فمع شبابيك الغرف أو أبوابها التي تغلق وتفتح و الأواني والأضواء تنار وتطفأ لوحدها كيف لا تمرض صغيرتي ولا تخاف” تقول خالتي سعدية التي أرجعت الموضوع إلى عالم الجن حسب ما تعتقده، فالفيلا تبين أنها كانت مشيدة فوق قبر رجل قتل ودفنت جثته بالمكان ذاته حسب ما تداوله سكان الحي  تناقله ساكنو الفيلا. 

كمال بوزيدي: “الجن مكلف وغالبية ما يحدث لا يتعدى كونه تهيؤات وأوهام”

الشيخ المكي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الشريعة: “عالم الجن عالم غيبي وكثرة الخوض فيه تحيلنا على الشعوذة”

الشيخ ياسين، إمام مسجد عقبة بن نافع بباش جراح: “ليس لعالم الجن سلطة على الماديات، ولا سلطان له إلا على ضعفاء الإيمان”

قد تبدو هذه العينات المختلفة من الحالات التي صادفناها من خلال حكايات من عايشوها غريبة أحيانا، مخيفة في أحيان أخرى أو غير قابلة للتصديق في أحايين كثيرة، ففيما تصر العينات على صدق ما عايشوه، ارتأت مجلة الشروق العربي أن تسأل أهل الذكر، اتصلنا بالدكتور كمال بوزيدي، أستاذ بكلية الشريعة بجامعة الجزائر الذي رد المسألة إلى تهيؤات نفسية وتوهم لأمور قد يكون سببها دوافع طبيعية محضة كالريح الذي يتسبب في فتح أو غلق الأبواب والنوافذ مثلا، غير أنه لم يستبعد أن تكون للأمر علاقة بعالم الجن “فأحيانا يحدثون أصواتا أو تصرفات لإخافة سكان البيت الأصليين من الإنس بغرض إستعماره، لكنها حوادث قليلة في العموم”.

أما الشيخ محمد إبن مكي أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الخروبة فيرى بأن الجن عالم غيبي، على الإنس أن لا يخوض فيه كثيرا وإلا دخل في الشعوذة، وبخصوص موضوعنا فقد رد الأمر إلى “مجرد تراهات ما أنزل الله بها من سلطان، فمعظم الحكايات التي يتداولها العامة عن عوالم الجن واللامنظور كذب وبهتان تعلق على مشجب يدعى الجن لما لا يجد مخرجا في عالم الشهادة”.


من جهته، قال الشيخ ياسين إمام مسجد عقبة بن نافع بباش جراح بأن الحوادث التي يصادف وأن يعيشها الأفراد أحيانا والتي غالبا ما يردها العامة إلى عوالم الجن لا نستطيع تأكيد علاقة الأخير بها مادام عالما غيبيا، الشيخ ياسين قال بأن الجن يمكنه أن يمس الإنس ويتلبسه فيستولي عليه ويتحكم به عن طريق أطرافه كأن يمشي به إلى مكان ما أو أن يقوم بتصرفات معينة من خلاله “لكن لا سلطان له على الأشياء المادية كالأضواء أو الأواني مثلا”، فكما هو معلوم حسب الشيخ ياسين “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من إتبعك من الغاوين”.

ومع تفسيرات الأئمة وأساتذة الفقه والشريعة لاتزال حكايات اللامنظور وروايات الجن التي تحاك في ظلمة الليل وسكون المكان وهدوئه تأسر الأنفاس على أن لا تأسر العقول فتصير إدمانا أو مشجبا تعلق عليه سلبيات أو فشل يجد فيه سماسرة الدين فرصة لا تعوض.

مقالات ذات صلة