الحج لمن لم يستطع!
مؤلم جدا أن يحدث في الحرم ما حدث من “حرام” جعل الغرب يضحك منا كمسلمين أن لم نوقف العمل حتى في أعز أيام الحج..
منذ سنوات وأنا “أبكي” على الحج، ولم يصحّ لي أن خرجت، لا أنا ولا زوجتي في”القرعة” ولا أن حصلنا على جوازي حج من أي كان من المعارف النكرة والمعرفة الكثيرة جدا ـ بلا جدوى ـ رغم أوزان وقافية الكثير منهم!
هذه السنة، كنت شبه متأكد أن واحدا منهم على الأقل، سيستجيب لي الله عن طريقه وأحج وأنا في الستين خير من أحج على كرسي”غير متحرك” لكن الله لم يشأ، فقلت: لعل الله يريد لي بذلك خيرا، قلت: ما عليّ إلا أن أصوم الأيام العشرة الأوائل من ذي الحجة، وأضع نفسي كمن حج، أتبع خطوات الحجيج أينما حلوا وارتحلوا، لعل الله ييسّر لي الطريق إلى أغلى وأشرف وأنبل بقعة في الأرض إن شاء عما قريب.
وهذا ما قررت فعله فعلا.. قمت الليلة الأخيرة من ذي القعدة بقعدة مع زوجتي: تفاهمنا على أن نشترك في العمل المشترك لكي نحج سويا، إذ لا حج إلا معا أو لا أحد، فنحن الاثنين مرضى وكل منا يحمل الآخر في الشدة كما تحمل بعضنا بعضا في الرخاء.
نظمنا اجتماعا وقررنا أن نقتدي بالحجاج تضامنا معهم وكأننا معهم بالصيام والقيام وقراءة القرآن وأشياء أخرى ابتدعتها من عندي لأشعر بأني قريب من الحجاج وجزءٌ منهم: التعب والمعاناة والوقوف والمشي والحركة.. امتنعت عن الحلق وتقليم الأظافر وقتل حتى الناموس”اللي دار فيّ حالة وعجب”! “شخدني”، ولم أتدخل لا عسكريا بالمبيد ولا دبلوماسيا عن طريق الـ”فاز” بل تركته يفعل ما يريد فيّ وفي أعدائي في الداخل!
حتى يوم الوقفة، قررت أن أقف مع الحجيج رمزيا، فذهبت إلى القنصلية الفلسطينية وبقيت يوما كاملا أمامها واقفا، أدعو وأبتهل وأترحم على عرفات الذي مات مغتالا من طرف إسرائيل وعملائها.. كنت أبحث عن ألف طريقة وطريقة تجعلني أشعر أني أعيش الحج بميقاته وطوافه وسعيه وجمراته ووقوفه ونحره وإفاضته وتشريقه.. كل ذلك بأساليب ابتكرتها محليا!
وآخر ما قمت به: أني بقيت أذهب ما بين العصر والمغرب لأجلس مطولا تحت رافعة مهجورة تُركت بعد نهاية الورشة، سألتني زوجتي: لماذا تذهب إلى”الشانطي” كل يوم؟ قلت لها: لأجلس تحت الرافعة، لعل الله يرفعني إليه تحتها.. وهل من ماتوا، أنا خير منهم؟ الحياة بعدهم حرام!
وأفيق فوق سريري وقد سقط عليّ “المرفع” الذي أضع عليه مصاحفي!