الرأي

الحراك السلمي.. و”حمالات الحطب”

حسان زهار
  • 857
  • 6
ح.م

لا يمكن فصل تصريح مقران آيت العربي، بأن الضغط يجب أن يبدأ يوم 6 سبتمبر.. إلا ضمن سياق الوضع العام في البلاد، ونذر التصعيد التي تلوح في الأفق.

في نفس وقت هذا التصريح، كانت الطرقات الرئيسية المؤدية للعاصمة تعيش حالة اختناق مروري رهيب.. الآلاف من السيارات والمواطنين.. عاشوا ساعات الجحيم تحت أشعة شمس حارقة.. بينهم كان هنالك مرضى يتنفسون اصطناعيا داخل المركبات وسيارات الإسعاف.

التعليقات الصادمة التي سمعناها من المواطنين بعد يوم “الحشر” هذا.. لم تكن تختلف في نبرتها الساخطة.. عن نبرة ما تحدث به مواطنون آخرون.. وقفوا في طوابير طويلة من أجل الظفر “بشكارة” حليب: لقد قمنا بثورة من أجل أن نعيش مجددا كل هذا الذل والخراب.

وما وقع أيام العيد وقبله.. وقع ضمن ذات منطق “التيئيس”.. فالحرائق الرهيبة أتت على مساحات واسعة من الثروة الغابية.. وحولت مدننا بأكملها مثل قسنطينة.. إلى كتلة تنتمي الى الجحيم.. مع ما رافقها من عمليات قطع للكهرباء والماء.. في مثل هذه الأجواء الحارة.. نكون بصدد عملية “مبرمجة” لإخراج الناس عن جلودهم، وهنا لا يتعلق الأمر بالمعارضين أو المؤيدين، بل بوضع يستهدف معنويات الجميع بلا استثناء.

بالنسبة للكثير من الشرفاء والوطنيين.. هذا الأمر لا يمكن أن يكون عفويا أبدا.. ولمن يقرأ حركة التاريخ المعاصر.. لا بد أن تعود به الذاكرة إلى الأيام العصيبة التي عاشتها مصر بعد انتخاب مرسي رئيسا للبلاد.. وكيف بدأت آلة الدولة العميقة عملها.. في قطع الكهرباء على المواطنين.. ومنع وصول شاحنات الوقود إلى المحطات.. عبر شرائها وصب محتوياتها في الصحراء كما أثبتت التحريات حينها.. ما أحدث شللا شبه كامل في البلاد.. وطوابير لا حصر لها من السيارات أمام محطات الوقود.. وحالة من الغضب الشعبي العارم ضد حكم الإخوان.

ولعل ملامح ما تقوم به جمعية “راج” التي اقتحم بعض أعضائها اجتماع لجنة الحوار.. لا تبتعد كثيرا عن دور “تمرد” في مصر.

بالنسبة للأطراف الرافضة للانتخابات كمبدأ للخروج من الأزمة.. لأنها ستعريها في المنعرجات الحاسمة.. فإن هذا ما يسمى “عملية التسخين” للعصيان المدني الذي تم التلويح به من طرف البعض وسط الحراك قبل أسابيع.. وتولى الترويج له بعض نجوم “اللايف” العاطلين عن العمل من الخارج.

ولأن تلك الأطراف أدركت سلفا.. أن رهانها سيكون خاسرا من البداية على نجاح العصيان.. في ظل التفاف نسبة كبيرة من الشعب حول جيشه.. فقد عملت على تأجيل الأمر.. والتمهيد له عبر خلق “الأزمات” الحياتية المرتبطة مباشرة بمعيشة الناس وراحتهم، بينما تركت مهمة تيئيس الناس في الجانب السياسي.. لما يسمى بهيئة الوساطة والحوار.. حيث يكفي أن يتفحص المواطنون وجوه (الحوار والحكمة) الذين يتم الترويج لهم.. حتى يتحول أكثر الناس إلى الضفة الأخرى.. مع جماعات التصعيد والعصيان.

إذا ما استمر هذا الوضع على حاله.. من حالة الغموض والفوضى.. وعدم القدرة على إعادة روح التفاؤل إلى المواطنين.. عبر رسم طريق واضحة وسريعة للحل.. خارج دائرة التسويف.. واللجان التي “تفرخ” لجانا مثلها أو أسوأ منها.. فإن المراهنين على تاريخ السادس من سبتمبر كبداية للتصعيد.. ومع الدخول الاجتماعي.. سيجدون إلى جانبهم جحافل من الغاضبين والناقمين.. لكي يدفعوا بهم إلى “المحرقة”.. بينما يواصلون هم ممارسة هوايتهم المفضلة.. في التحريض ضد الاستقرار تحت المكيفات الهوائية ذات الجودة العالية.

صناعة المحرقة إذن.. بعد الحراك السلمي.. تبدأ بلا شك عبر تثبيت “الأفران” المتحركة في الطرقات.. وتعذيب الناس بالساعات الطويلة فيها، ولن تنتهي عند حدود من يصبون البنزين على النار.. من (حمالات الحطب) في الداخل والخارج.. بل هي ولا شك ممتدة للأسف حتى للذين يدّعون أنهم يلعبون دور رجال الإطفاء.

مقالات ذات صلة