-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على مستقبل العالم

محمد بوالروايح
  • 1028
  • 0
الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على مستقبل العالم

العملية العسكرية في أوكرانيا التي قال عنها زعيم الكرملين فلاديمير بوتين إنها ستكون عملية خاطفة من أجل تأديب زيليينسكي، تحولت إلى حرب طويلة مفتوحة على أسوأ الاحتمالات، وتنذر بتحولها إلى حرب عالمية ثالثة ستكون لها تداعياتٌ خطيرة ليس على روسيا وأوكرانيا وأوروبا وحسب بل على العالم بأسره.

بوتين هو الوحش الأسود لقادة أوروبا لأنهم يدركون بأن غزوه لأوكرانيا ليس إلا جزءا من مخططاته القيصرية الرامية إلى استعادة دور القيصر الروسي أو على الأقل إعادة مجد الاتحاد السوفييتي المنهار، ولأنهم يدركون أيضا بأن سيطرة روسيا على أوكرانيا يمثّل تهديدا حقيقيا لأوروبا سيفتح عليها نيران الجحيم الروسي من بوابة رومانيا أو بولونيا. لأجل كل هذا يتابع القادة الأوروبيون مجريات الحرب في أوكرانيا أولا بأول ويتداعون للاجتماع عند كل مستجدات أو تطورات في ساحة المعارك.

مستقبل العالم مرهونٌ بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وسيكون لها تأثير خطير على الأمن العالمي بما يجعل العالم أقرب إلى حرب عالمية ثالثة ليست مستبعدة في ظل إصرار بوتين على تنفيذ مخططه في أوكرانيا وإصرار دول الاتحاد الأوروبي على إفشال هذا المخطط عن طريق إمداد أوكرانيا بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا. إن العالم بات قاب قوسين أو أدنى من حرب عالمية ثالثة وشيكة إذا لم تضع الحرب أوزارها.

من الضروري أن نسأل-بكل موضوعية وحيادية- بعد أن طال أمدُ الحرب في أوكرانيا واتسعت رقعتها: لماذا عجز بوتين عن حسمها؟ ولماذا يكتفي القادة الأوروبيون بالدعم العسكري واللوجيستي لأوكرانيا ولا يفكرون في استخدام القوة المباشرة لهزم ببوتين إذا كانوا يفكِّرون فعلا في مستقبل أوكرانيا ويحرصون على حياة الأوكرانيين الذين شرّدتهم الحرب، فحماية الأرواح وتأمين عودة اللاجئين إلى ديارهم أولى من توزيع الأرغفة عليهم وتوزيعهم كالأيتام على دول الاتحاد الأوروبي؟.

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن لم تجد لها جوابا، مما فسح المجال لكثير من التكهُّنات بشأن الخلفيات الحقيقية للحرب في أوكرانيا، فهل يُفهم من صمت أوروبا أمام عمليات الضم الروسية المستمرة لمقاطعات أوكرانية على أنه تكتيك أوروبي يهدف إلى حماية البيت الأوروبي والتضحية بأوكرانيا التي تعدُّ في نظرهم -رغم مشاعر التعاطف معها ومظاهر الدعم المقدم لها- جزءا من أرض معادية، في إشارة إلى الاتحاد السوفييتي الذي كان قطبا شرسا قبل انهياره سنة 1991، فالحرب في أوكرانيا حسب النظرة الأوروبية هي حرب بين شركاء الوطن الواحد قبل مرحلة الانقسام، وأوكرانيا هي السلاح الاقتصادي والنفطي الفتاك في عهد الاتحاد السوفييتي الذي ضاقت به أوروبا ذرعا.

يدرك القادة الأوروبيون هذه الحقيقة، ويدرك المحللون السياسيون في المقابل بأن الدعم الأوروبي لأوكرانيا ليس حرصا على وحدة أراضيها بل حرص على ما في باطنها من موارد طبيعية وما يوفره الفردوس الأوكراني لدول الاتحاد الأوروبي.

ما الذي تغير حتى تحولت العملية الخاطفة إلى حرب طويلة ليس فيها إلى حد الآن منتصر ومهزوم؟ فالإعلام الحربي سواء في روسيا أو في أوكرانيا كل يدّعي التفوق وكسب رهان الحرب وإلحاق الهزيمة بخصمه، ولكن لا شيء يؤكد هذه المزاعم أو يفندها. ما الذي تغير في مخطط الحرب في الجانب الروسي حتى تحولت غارة الساعات والأيام المعدودة إلى أشهر عديدة وربما إلى سنة ثانية أو ثالثة؟ يجدر التذكير هنا بما جاء في خطاب الرئيس الروسي بوتين بشأن إعلان الحرب على أوكرانيا: “مواطني روسيا المحترمين، أصدقائي الأعزاء، اليوم أعتبر أنه من الضروري العودة مرة أخرى إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في دونباس والمسائل الرئيسية المتعلقة بضمان أمن روسيا نفسها .اسمحوا لي أن أبدأ بما قلته في خطابي في 21 فبراير من هذا العام. نحن نتحدث عما يثير قلقنا بشكل خاص، حول تلك التهديدات الأساسية. خطوة وراء خطوة، تم إنشاؤها بشكل فظ وغير مسبوق تجاهنا، من قبل سياسيين غير مسؤولين في الغرب. أعني توسع كتلة الناتو شرقا، وتقريب بنيتها التحتية العسكرية من الحدود الروسية”.

يظهر من خطاب بوتين بأن الحرب في أوكرانيا كانت حتمية لا مناص منها من أجل ضمان أمن روسيا ومنع توسع حلف الناتو، فهل استطاع بوتين تحقيق هذين الهدفين؟ يقول المحللون الإستراتيجيون إن أمن روسيا –في ظل طول أمد الحرب في أوكرانيا– قد أصبح على المحك ومهددا أكثر من أي وقت مضى في ظل الدعم الأوروبي غير المحدود لأوكرانيا والذي قد يتحول إلى مواجهة أوروبية- روسية غير معلومة العواقب قد تُضعف روسيا بشكل غير مسبوق رغم تلويح بوتين باستخدام السلاح النووي، وهو التهديد الذي يقلل الملاحظون من شأنه لأن خطره سيكون شاملا ولن تكون روسيا في مأمن من ذلك، بل قد ينقلب السحر على الساحر وتتبخر أحلام بوتين وتتبخر معها أحلام الروس وأحلام شعوب العالم في عالم يسوده الأمن والاستقرار.

ويقول المحللون أيضا إن الحرب في أوكرانيا لم تمنع توسُّع حلف الناتو بل على العكس، دفعت قادة الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في ضم دول أوروبية أخرى إلى هذا الحلف والتفكير بصورة أكثر جدية في ضم أوكرانيا والاتصالات والمشاورات في هذا الجانب جارية منذ مدة وقد يُعلن عن نتيجتها في أي لحظة. فماذا سيستفيد بوتين من الحرب على أوكرانيا بدعوى الحيلولة دون توسع حلف الناتو إذا كانت أوكرانيا في مرحلة قادمة قريبة أم بعيدة مشمولة بهذا الضم؟.

إن مستقبل العالم مرهونٌ بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وسيكون لها تأثير خطير على الأمن العالمي بما يجعل العالم أقرب إلى حرب عالمية ثالثة ليست مستبعدة في ظل إصرار بوتين على تنفيذ مخططه في أوكرانيا وإصرار دول الاتحاد الأوروبي على إفشال هذا المخطط عن طريق إمداد أوكرانيا بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا. إن العالم بات قاب قوسين أو أدنى من حرب عالمية ثالثة وشيكة إذا لم تضع الحرب أوزارها وتتفهم أوروبا مخاوف بوتين ويكفّ بوتين عن لغة المغالبة والمنازلة.

وسيكون للحرب في أوكرانيا تأثيرٌ خطير على الأمن الغذائي العالمي في ظل ارتفاع أسعار الطاقة الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا النقص المسجل في حجم المنتجات الزراعية والصادرات الفلاحية والذي هو أدنى بكثير من المعدل الذي كانت تنتجه أوكرانيا قبل الحرب، فهذا مؤشرٌ -حسب المحللين الاقتصاديين- على أزمة غذاء عالمية وشيكة إذا استمرت الحرب في أوكرانيا لعام آخر أو أدنى من ذلك، وهو ما تؤكده تقارير منظمة التجارة العالمية. يقول رئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي: “إنَّ غلق روسيا موانئ جنوب أوكرانيا وعرْقلة صادرات الحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية القادمة منها، سيكون بمثابة إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي، وسيؤدي إلى مجاعة وزعزعة الاستقرار، وهجرة جماعية حول العالم”.

وسيكون للحرب في أوكرانيا تداعياتٌ خطيرة على الاقتصاد العربي والإفريقي الذي يعتمد بصورة أساسية على روسيا وأوكرانيا. ويقول المحللون الاقتصاديون في هذا الصدد إن أول ضحايا الأزمة الغذائية المقبلة هي الدول العربية (دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص) وكذا الدول الإفريقية، والسبب في ذلك –حسب المحللين الاقتصاديين– هو اعتماد أغلب العربية على النفط وإهمال الزراعة وافتقار بعض الدول الإفريقية إلى الصناعات الغذائية رغم كونها دولا زراعية بامتياز، ولهذا السبب- كما يضيف المحللون الاقتصاديون- ستكون الدول العربية والإفريقية أكثر عرضة لآثار الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!