الرأي

الحرّاقة.. من أين أتوا بـ60 مليون سنتيم؟!

حسين لقرع
  • 3248
  • 13

أعاد تدفّقُ أزيد من 1500 “حرّاق” على السواحل الاسبانية في ظرف ثلاثة أيام فقط، الجدل بشأن تفاقم أزمة “الحرقة” واستنزافها للثروة الشبابية للبلد التي طالما تغنّى المسؤولون بأنّها تشكّل ثلاثة أرباع المجتمع. ولا جدالَ في أنّ الحكومات المتعاقبة تتحمّل القسط الأكبر من المسؤولية بسبب فشلها في توفير مناصب الشغل لمئات الآلاف من الشبان والشابات الذين يلتحقون بسوق العمل كلّ سنة.

 لكن بالمقابل دعونا نعالج الموضوع من زاويةٍ أخرى؛ لقد ارتفعت تكاليفُ “الحرقة” هذه الأيام إلى 60 مليون سنتيم، وهناك من يتحدّث عن 80 مليونا، وعن رحلاتٍ مضمونة إلى السواحل الاسبانية تستغرق أقلّ ثلاث ساعات فقط في زوارق سريعة.. ما يُغري المزيد من الشباب بـ”الحرقة”، وهنا ينبغي أن نطرح سؤالا ملحّا وهو: إذا كان هؤلاء “الحراقة” بطالين، فمن أين جمعوا هذه المبالغ الكبيرة والحالُ أنّ الكثير من العمال والموظفين لا يستطيعون ادّخارها إلا بشقّ النفس وبعد سنوات عمل طويلة بسبب محدودية الأجور وغلاء المعيشة ومتطلبات الأولاد؟ الأمر يتعلق بـ60 مليونا أو أكثر وليس بـ6 ملايين أو أقلّ كما كان الأمر قبل عقدٍ من الزمن، فكيف تمكّنوا من جمعها؟ وإذا كان هؤلاء يملكون 60 مليونا أو اقترضوها، فلماذا لم يشغّلوها في بلدهم من خلال إقامة مشاريع صغيرة قد تدرُّ عليهم أرباحا تضمن لهم العيش الكريم؟

الذين يريدون العمل في بلادهم يمكنهم أن يبدأوا ببضعة ملايين فقط ويحقِّقوا النجاح، والحالات كثيرة، ولعلّ أشهرها حالة محيي الدين طحكوت الذي بدأ تاجرا صغيرا يبيع البطيخ الأحمر على عربةٍ متنقلة يدفعها بيديه في الرغاية، ثم بدأ ينجح ويتوسَّع في تجارته وينوِّع مشاريعه إلى أن أصبح رجل أعمال كبيرا ومشهورا، لكنّ مشكلته أنّه انغمس في الفساد فدفع الثمنَ غاليا، ولو رضي بما رزقه الله بالحلال الطيّب لعاش حياة الملوك وبعده أبناؤه وأحفاد أحفاده..

هو مثَلٌ أردنا أن نضربه لمن يريد أن يشتغل في بلده ويجرّب حظه ولو كانت انطلاقته بسيطة ببضعة ملايين من السنتيمات يتاجر بها في الأسواق، فقد ينجح وتكبر تجارته مستقبلا واللهُ يرزق من يشاء بغير حساب، أما من يملك 60 مليونا أو يقترضها فيمكنه إقامة مشروع تجاريّ أفضل، بدل أن يغامر بنفسه في عرض البحر ويكون طعاما للسمك أو يتعرّض للاعتقال في الضفة الأخرى قبل ترحيله إلى بلده.

أخيرا نأسف لانضمام فتياتٍ ونساء في عمر الزهور إلى قوافل “الحرّاقة” من دون أيّ حساب للعواقب في البحر ثم في الضفّة الأخرى، ما الذي تفعله فتياتٌ في بيئةٍ أوربية منحلّة؟ وكيف يمكنهنّ حماية أنفسهنّ وأعراضهنّ؟ والمحزن أكثر أن تغامر أسرٌ بأكملها بـ”الحرقة” في عرض البحر برغم كلّ المخاطر التي تكتنفها.. منذ أيام غرق عدّة “حراقة” ومنهم طفلٌ في الرابعة من عمره لم يتحلّ أبوه بالوعي وروحِ المسؤولية فاصطحبه معه رفقة أمِّه، وتسبَّب في موته.. إذا افترضنا أنّ ظروفا قاهرة أجبرت هذا الرجل على “الحرقة”، ألم يكن من الأولى أن يغامر وحده ويترك أسرته الصغيرة في أمان؟!

مقالات ذات صلة