-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يفلت نتنياهو من قبضة الجنائية الدولية؟

محمد بوالروايح
  • 1054
  • 0
هل يفلت نتنياهو من قبضة الجنائية الدولية؟

من المنتظر أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في غضون هذا الأسبوع مذكرة توقيف ضد السفاح بنيامين نتنياهو الذي ارتكب أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني متفوقا في ذلك على المقبور أرييل شارون. وحسب نظام روما الأساسي، فإن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة مثبتة في الباب الثاني من هذا النظام (المواد من 6 إلى 8 مكرر) وهي: الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجرائم العدوان.
الأدلة على هذه الجرائم في حالة نتنياهو قائمة ومن ثم فإن الإدانة ثابتة، فقد ارتكب نتنياهو إبادة جماعية معاقَبًا عليها بنص المادة السادسة من نظام روما الأساسي، الذي يعرّف الإبادة الجماعية بأنها :”أي فعل من الأفعال التالية، يرتكب بقصد إهلاك قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا: قتل أفراد أو جماعة؛ إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة؛ إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا؛ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛ نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى”.
لقد أهلك نتنياهو القومية الفلسطينية العربية الإسلامية، وألحق أضرارا جسدية وعقلية جسيمة بالشعب الفلسطيني من كل الفئات والأعمار، وأخضعهم لأحوال معيشية صعبة، وأهلك الحرث والنسل بقتل أعداد كبيرة من النساء الفلسطينيات. وارتكب نتنياهو جرائم ضد الإنسانية معاقَبًا عليها بنص المادة السابعة من نظام روما الأساسي، ومن جملة هذه الأفعال التي توصف بأنها جريمة ضد الإنسانية: القتل العمد، الإبادة، الإبعاد والنقل القسري للسكان، الحرمان وتقييد الحريات بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، الإخفاء القسري للأشخاص، التعذيب وجريمة الفصل العنصري. لقد ارتكب نتنياهو وأعوانه جريمة القتل العمد وتمادوا في إبادة الفلسطينيين في غزة والضفة، وتفنَّنوا في التعذيب وسلب الحريات وأمعنوا في النقل القسري للفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها وطاردوهم وهم في طريقهم إلى المناطق التي قيل عنها إنها “مناطق آمنة” وهي ليست بآمنة.
وارتكب نتنياهو وأعوانه جريمة الحرب والعدوان المعاقَب عليها بنص المادة الثامنة والمادة الثامنة مكرر من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومنها: التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والمنشآت، حرمان الأسرى من حقهم في الحماية وفي محاكمة عادلة ونظامية، ضرب حصار على موانئ دولة ما وعلى سواحلها.
وبحسب ما جاء في الباب الثاني من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فيما يتعلق بالمبادئ العامة للقانون الجنائي في المادة 22 أنه “لا جريمة إلا بنص” وفي المادة 23 منه أنه “لا عقوبة إلا بنص”، فإن هذين الشرطين ثابتان في حالة نتنياهو وأعوانه وهو ما يقضي بإدانتهم وإصدار مذكرات توقيف ضدهم.
هذه إطلالة على ما ورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالجرائم المعاقَب عليها وهي ضرورية لتحديد طبيعة العقوبات وحجمها، ولكن المهم هو الحرص على توقيع هذه العقوبات على مرتكبيها وفق الآليات القانونية المنصوص عليها في النظام سالف الذكر، وأن تبرهن المحكمة الجنائية الدولية على مصداقيتها في متابعة المجرمين وعقابهم بكل حزم ومن غير تحيُّز، إذ لا يُقبل أن تستعجل هذه المحكمة إصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحرك كل هيئاتها لتنفيذ هذه المذكرة بحذافيرها، وتتماطل أو تتلكأ في إصدارها وتنفيذها ضد نتنياهو وأعوانه.
ستبقى مذكرة التوقيف ضد نتنياهو وأعوانه “لا حدث” حتى نلمس من المحكمة الجنائية الدولية حرصا أكيدا على الوفاء بالتزاماتها وإثبات مركزها القانوني وممارسة سلطاتها، التي نصت عليها المادة الرابعة من نظام روما الأساسي، وهي: “أن تكون للمحكمة الأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها، وأن تمارس المحكمة وظائفها وسلطاتها، على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي”.
ما نخشاه في هذا الصدد هو أن تدفع تل أبيب بعدم شرعية مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو وأعوانه بالنظر إلى أن “إسرائيل” ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، مستعينة في ذلك بدعم حلفائها، الذين يرافعون عن “إنسانيتها” و”حقها في الدفاع عن نفسها”. إننا نعوّل في هذه الحالة على دور النخبة القانونية العربية للتفكير في آليات قانونية وبما لا يخالف نظام روما الأساسي من أجل إنفاذ القانون، ومن أجل ألا يفلت نتنياهو وأعوانه من العقاب. ومن هذه الآليات، التركيز على دور المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية الدولية، المخوَّل بفتح تحقيق بناء على طلب يتلقاه من الدول، والذي قد يأتي من دول أطراف في المحكمة، أو قد يستند إلى اختصاص قضائي مؤقت ومحدود تمنحه دولٌ ليست أطرافا في المحكمة، عملا بالفقرة 3 من المادة 12 من نظام روما الأساسي.

  ما نخشاه في هذا الصدد هو أن تدفع تل أبيب بعدم شرعية مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو وأعوانه بالنظر إلى أن “إسرائيل” ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، مستعينة في ذلك بدعم حلفائها، الذين يرافعون عن “إنسانيتها” و”حقها في الدفاع عن نفسها”. إننا نعوّل في هذه الحالة على دور النخبة القانونية العربية للتفكير في آليات قانونية وبما لا يخالف نظام روما الأساسي من أجل إنفاذ القانون، ومن أجل ألا يفلت نتنياهو وأعوانه من العقاب.

وستبقى مذكِّرة التوقيف ضد نتنياهو وأعوانه “لا حدث”، حتى تفي المحكمة الجنائية الدولية بالتزامها بما جاء في ديباجة قانون روما الأساسي بأن “أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره، يجب ألا تمر من دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيهاعلى نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي”.
وستبقى مذكرة التوقيف ضد نتنياهو وأعوانه “لا حدث” حتى تفي المحكمة الجنائية الدولية بالتزامها بـوضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم. إن آمالنا -بعد الله- معقودة -وقد طغى نتنياهو وأعوانه في البلاد فأكثروا فيها الفساد- على المجتمع الدولي الرسمي بما تبقّى له من ضمير وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن نحقق من خلالهما الغايات التي نصبو إليها وهي قصاص الضحية من الجلاد ومحاسبة المجرمين وأمراء الفساد من آل صهيون بما يحفظ حقوق الفلسطينيين ويؤمِّن مستقبل البشرية ومستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية.
إننا نعول أيضا على القصاص لدماء المستضعفين ولاسترداد حقوقهم المهضومة وحرياتهم المسلوبة -بعيدا عن المجتمع الدولي الرسمي وكذا عمل المحكمة الجنائية الدولية- على الوعي الشعبي الذي تزايد بشكل يبعث على الأمل في بروز معالم عالم جديد، يؤمن بالديمقراطية ويكفر بالإمبريالية، ويؤمن بالحريات الإنسانية ويكفر بالكيانات المصطنعة. ومن مظاهر هذا الوعي، تلك الاعتصامات الطلابية التي تحدث في الجامعات الأمريكية والفرنسية والكندية وغيرها، والتي لا تستهدف معاداة الآخر كما زعمت بعض الدوائر السياسية والإعلامية الموالية لسفاح تل أبيب وللصهيونية، بل تستهدف مناصرة قضية اسمها “فلسطين” زهد فيها بعض أهلها وتبنّاها محبون للسلم والديمقراطية، ومدافعون عن الحقوق الإنسانية، ورافضون للتصفية العرقية.
لا تتمتع الدول الكبرى في المحكمة الجنائية الدولية بـ”حق” الفيتو على خلاف مجلس الأمن الدولي، ولكن هذا لا يمنعها من التأثير -بشكل أو بآخر- على قراراتها، وهو ما نخشى حدوثه وخاصة في ظل التواصل القائم في هذه الأثناء بين إدارة نتنياهو وإدارة بايدن للحيلولة دون صدور مذكرة توقيف ضد نتنياهو وأعوانه، والذي يعني في حالة حدوثه مأساة أخرى، لا يعلم مداها إلا الله، تبقي الواقع المرّ على حاله وتؤجِّل عقاب الجاني إلى أجل غير معلوم أو تُسقطه بالمرَّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!