الرأي

“الحرَّاقة” و”راي” السلطة!

قادة بن عمار
  • 1625
  • 8
أرشيف

إذا صحّت الأرقام التي قدّمها وزير الداخلية نور الدين بدوي بخصوص أعداد “الحراقة”، سواء أولئك الذين ماتوا غرقا أو مازالوا في عداد المفقودين، أو ممّن يحاولون يوميا المجازفة بحياتهم للفرار من البلاد، فإن تلك الأرقام تستدعي حالة طوارئ حقيقية وليس مجرد “منتدى وطني” تتم دعوة الناس إليه بـ”المعريفة” والمحسوبية!
الوزير بدوي قال إن عدد “الحراقة” الذين ماتوا في البحر خلال السنة الماضية فقط، بلغ 119 شخص في حين تم إنقاذ 4000 آخرين وما يزال 96 في عداد المفقودين، وهذه الأرقام لا تنافسها في درجة الخطورة و”الصدمة” سوى أعداد الضحايا المسجّلين في حوادث المرور، والذين بلغ عدد القتلى منهم 3300 شخص في حين تجاوز الجرحى سقف الـ23 ألفا خلال العام الماضي فقط!
وأمام فداحة هذه الأرقام، توقعنا من الداخلية أن تستدعي مختصين مستقلين وشبابا عاشوا التجربة، فضلا عن جهات فاعلة في المجتمع المدني من أجل اقتراح حلول، وأن تتم محاسبة السلطة على أفعالها القبيحة وسياساتها العرجاء التي دفعت بالكثير من الشباب إلى المجازفة بحياتهم في رحلات غير شرعية، إضافة إلى فرار آلاف الإطارات والمهندسين والأطباء في رحلات منظمة (بلغ عدد الأطباء مثلا 4 آلاف مهاجر العام الماضي) إلا أن السيد بدوي قرر اتهام الجميع وإدانة الجميع وتوريط الجميع، مقابل تبرئة السلطة التي ينتمي إليها، ووصل به الأمر إلى حدّ اتهام مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين والسياسيين وحتى الفنانين ومغني “الراي” بالتحريض على الحرقة!
بهذا المنطق كان على وزير الداخلية أن يدعو إلى منتداه الشابة خيرة والشاب فيصل المينيون والشاب خالد… من أجل مناقشة ظاهرة الحرقة طالما اتهمهم بالوقوف وراءها، وأن لا يكلف نفسه عناء دعوة إعلاميين أو حتى جامعيين لم يقدِّموا شيئا في المنتدى ما عدا وصف الظاهرة، ولعلهم اكتفوا بذلك لعلمهم جيدا أن الداء يكمن في السلطة التي دعتهم، وهي سلطة لا تريد الاعتراف بالفشل بل وتتباهى بالخطأ وتجاهر بالمعصية، مثلما فعل وزير الداخلية في خطابه المُنفّر أساسا للبقاء في الوطن!
مثل هذه المنتديات والجلسات والحوارات، لا تنفع إذا كانت منقوصة من المصداقية، وتأبى كشف الحقيقة، بل ستصبح بمرور الوقت مجرد نشاطات رسمية تغلب عليها لغة الخشب وثقافة “الزردات” و”الوعدات” ليكون مصيرها التحول إلى مبرر إضافي لزيادة الإحباط لدى المواطنين عموما وليس الشباب فقط.

مقالات ذات صلة