الرأي

الحلال والحرام “غير بيّنيْن”!

على بعد بضع ساعات من احتفال الجزائريين، قمة وقاعدة، بذكرى مولد خاتم النبيين، كل على طريقته، تكرّرت نفس الأسطوانة التي يحبذ بعض رجالات الدين في الجزائر الهروب بها من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى النفسية التي يعاني منها الجزائريون، ليخوضوا في حرمة وجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتشعر أحيانا بأن بعض المحسوبين على الفتوى يصومون طوال السنة، ولا يفطرون إلا مع اقتراب الذكرى.
رئيس هيئة الإفتاء في جمعية العلماء المسلمين، الذي تتهاطل عليه مشاكل الجزائريين من جرائم الفايس بوك الأخلاقية والعنف في الملاعب والدعوات إلى الإلحاد، ولا نقول فضائح البرلمان وتجاوزات الحكومة، لم يجد من مشكلة مستعصية يجب حلّها، سوى تحريم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وشرح كيف تمكّن الزنادقة والمنافقون من جرّ المسلمين إلى هذه “البدعة”، وهو أعلم الناس بأن شيخ الجمعية الأول ومؤسسها، كان يحتفل بالذكرى منذ قرن من الزمن، ويخصص لها كتابات في جريدتي “الشهاب” و”المنتقد”، ولم يرِد أبدا على لسان الشيخ ابن باديس كلام في شأن رآه اجتماعيا. ووزير الشؤون الدينية والأوقاف، دافع عن الكُحل الذي يزيّن عيون البنات والحناء التي تُطلى في أيديهن في ذكرى المولد، واعتبر الدعوة إلى تحريم الاحتفال بمولد خير الخلق، انتصارا وتشجيعا لحب الاحتفالات المسيحية التي بدأ التحضير لها.
كان الأجدر برئيس هيئة الإفتاء في جمعية العلماء المسلمين، وكلنا نعلم أنها قريبة من السلطة، أن يوجه كلامه أولا وأخيرا إلى الحكومة، التي تجعل من ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم راحة مدفوع الأجر، وتقيم الاحتفالات في المسارح والمساجد والجامعات والمحطات الإعلامية، وترسل المعتمرين إلى البقاع المقدسة في ذكرى المولد الشريف، وهي التي تسمح بدخول أطنان من الشموع والبخور وحتى المفرقعات عبر موانئها لأجل الاحتفال بالذكرى، وكان الأجدر بوزير الشؤون الدنية أن ينتقد حب “الكريسماس”، للسلطة أيضا، لأن الكثير من رجالاتها هم من يسافرون إلى باريس وروما وأثينا ليعيشوا طقوس “الكريسماس”، أما الشعب الذي وجَّهوا إليه كلام الحلال والحرام، فهو غير معني إطلاقا بهذه النصيحة، لأنه لم يُدخِل الذكرى ضمن معتقداته، ولم يرفعها من درجة لُعب الأطفال الذين يلهون بالمفرقعات وأكل الثريد والشخشوخة في شبه وليمةٍ عابرة.
ورد في الحديث الشريف: “إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام”.
وواضحٌ من خرجات رجال الدين في الجزائر، أن جعلوا الحرام والحلال غير بيِّنين، ونقلوا عادات الناس إلى مستوى الشبهات حتى أوقعوهم عن غير قصد ربما في الحرام وفي الفتنة، من خلال تكفير من يحتفل بمولد خاتم الأنبياء، أو من خلال جعل المولد يوما مقدسا يُحتفل به على طريقة “الكريسماس” أو على الطريقة البوذية.
وفي كل ذكرى دينية، تعود قضية هلال رمضان وشوَّال وحرمة الاحتفال بالمولد وعاشوراء… ليعيش من “شبهاتها” من لا مهنة لهم.. غير الكلام.

مقالات ذات صلة