-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحلقة (14): عقول معطّلة تتشبّث بالصّدفة والاتّفاق!

خير الدين هني
  • 376
  • 0
الحلقة (14): عقول معطّلة تتشبّث بالصّدفة والاتّفاق!
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

تشابُه أعضاء بعض الحيوانات، ليس لأنها تنحدر من أصل واحد أو من أسلاف مشتركين، إنما لأن وظائفها الجسدية والفسيولوجية واحدة، لتشابهها في نظم التغذية والاستقلاب، وأن ذواتها لا تحيا ولا تتحرك إلا من طريق تضافر هذه الأعضاء الحيوية التي تمدها بالأملاح والمعادن والطاقة.. فالأنواع والأجناس كلها تحتاج إلى غذاء، والغذاء يحتاج إلى هضم والهضم يحتاج إلى أعضاء، والمهضومات تحتاج إلى إفراز والإفراز يحتاج إلى أعضاء صرف.

من سلمت فطرهم من الارتكاس، يؤمنون بأن هذه الأنظمة العجيبة في الخلق والإبداع لا يمكن أن توجد بمحض الصدفة والاتفاق، لأن الصدفة العمياء يستحيل –عقلا- أن تبني نظاما متكاملا من عناصر متنافرة، كـــالعظام واللحم والجلد والأعصاب والأوردة والشرايين والأوعية والأعضاء، والدم والفكر والروح والتخيل والتصور والتذكر والانتباه والإدراك، والألم واللذة والمشاعر والعواطف والأحاسيس والانفعالات، وتتخلّق هذه التركيبة البيولوجية المعقدة مما يخرج من الصلب والترائب، بعد أن تحرك الغريزة شهوة الاتصال التي تتم بتوأدة وحميمية ولحظات نرجسية، ثم تنتهي بالقذف فإذا وقع التلاحم والتفاعل بين المقذوفين، بدأ الخلق والتخلّق والتكوين في ظلمات ثلاث، فإذا اكتمل النمو جاء المخاض وهو عملية شديدة التعقيد، يحار العقل  السوي كيف لكتلة عظمية ولحمية وزنها من كيلوغرامين إلى ثلاثة وبأعضاء خارجية مفلطحة، تخرج من جارحة لا تتجاوز سعة قناتها بضع سنتمترات.

ولكن الذي صنع وقدّر وأبدع الصنع، خلق أكياسا من السوائل الزلالية، تسبق خروج الجنين من الرحم عبر قناة الجارحة، لتجعل تلك السوائل القناة زلقة تسهّل انسياب الجنين إلى الخارج، ومن إبداعات الخالق عظمت صفاته وتقدست أسماؤه، أن جعل وجع الطّلْق يصاحب الولادة، والوجع الشديد هو الذي يقلّص عضلات الرحم، فإذا تقلّصت العضلات اندفع الجنين إلى الخارج بسهولة ويسر، وهذه العملية الفسيولوجية المعقدة يستحيل أن يكون للصدفة فيها يد، ومن يعتبرها عملا اتفاقيا فقد عطّل معايير العقل، وبنى معرفته على الوهم والخيال والجدل العميق، على نحو ما كان يفعله السفسطائيون الذين عطلوا العقل وهدّموا أسس المعرفة.

وبعد الخروج من عالم الرحم، وهو عالم تقصُر قدرات العقل عن تصوره وتخيله وتفسيره، رغم معرفة الإنسان بأطوار خلقه وتغذيته ونموه، فإذا خرج الجنين إلى العالم الفسيح وتلقى فيه حياة جديدة، فيها الشقاء والعذاب والأم واللذة والسعادة، وأخذ ينمو ويترعرع، من خلق إلى خلق ومن مرحلة إلى مرحلة، من الجنينية إلى الطفولة فإلى الشباب ثم إلى الكهولة والشيخوخة والهرم، ثم تنتهي هذه السنفونية المركبة تركيبا بديعا عجيبا غريبا، إلى نهاية محتومة لا يردها عقل ولا علم ولا تكنولوجيا ولو اجتمعوا لذلك، وهي نهاية الموت الذي يفني تلك الكائنات ويدخلها في اللازمن وتصبح أمرا مقضيا.

وهذا الحق المبين الذي تدركه الفطر السليمة، لا يُنظر إليه على أنه حقٌّ ممن فسدت فطرهم وعميت بصائرهم من الطبيعيين والدهريين، ومن سار على خطاهم من المتشككين والمارقين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!