-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (16): الشُّكّاك الحداثيون والجهل المدقع بلغة القرآن

خير الدين هني
  • 665
  • 0
الحلقة (16): الشُّكّاك الحداثيون والجهل المدقع بلغة القرآن

المتشكّكون يفسرون القرآن الكريم بالمناهج المادية النفعية (المنافية للروحاني)، التي وضعها الاستشراق لتبرير النبوة الخاتمة، وهي المناهج التي تعتبر القرآن نصا بشريا جاهليا، لا علاقة له بالسماء والنبوة والرسالة، ولما كانوا غير مؤمنين بالرسالة المحمدية لم يعتمدوا مناهج المفسرين المسلمين، ولا الضوابط اللغوية والبلاغية التي يفهم بها المعنى القرآني، لأن القرآن الكريم نزل بلغة العرب التي تحكمها قواعد وضوابط اصطلحوا على وضعها، مثل بقية اللغات القديمة والحديثة، ومن يريد أن يفهم نصا دينيا أو بشريا يلزمه معرفة قوانين تلك اللغة وضوابطها، وإذا خرج عن ضوابطها التبس عليه المعنى، وخرج بالمعاني إلى وجهة غير صحيحة.

التركيب القرآني تركيب رفيع، ويسمو على أي كلام بشري أنتجه الناطقون بالعربية، وهو بعيد عن المشابهة والمماثلة والتناظر، وفيه التقديم والتأخير والإطناب والإيجاز والتضمين والمشاكلة، والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وعلم القراءات التي رواها الأئمة الأعلام بقراءات مختلفة في نطق الحروف أو هيئاتها، والأصل في معرفة ذلك ما روي بالتواتر عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.

والمتشككة الحداثيون ممن انتهجوا طرق الاستشراق، ليس بوسعهم معرفة ذلك، لأن معارفهم غير مستوفية لشروط التفسير بالأثر، إلى جانب انعدام التخصص في علوم اللغة العربية، وهو التخصص العميق الذي يعرف به الدارس للقرآن الكريم، أنواع التراكيب والسياقات والجمل البسيطة والجمل المركبة، وعلم المعاني والبيان والبديع. والافتقار إلى الكفاية العقلية الضمنية التي يكتسبها العالم الراسخ، من التدريب الطويل على قراءة النصوص ومدارستها، وتدّبرها والتأمل في تراكيبها وسياقاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة، وبفلسفة التصريف والإسناد والإعراب، يُجلَّى المعنى ويتضح القصد وتحدد وظائف الكلمة والحروف والجمل، وهي الأدوات التي تعرفنا إلى أساليب العرب في التعبير عن مكنونات أفكارهم، وما يجيش فيها من مشاعر وعواطف، يعبرون عنها في أشعارهم وخطبهم وحكمهم.

ومما يثير مكامن العجب ويدعو إلى الضحك، أن هؤلاء الشكّاك الحداثيين خُيّل إليهم أنهم أصبحوا باحثين مرموقين، وقد أسسوا مدارس فكرية اجتهادية كبرى، وأكثرهم إذا لم نقل كلهم يلحنون في قراءة آية قصيرة غير مشكّلة، أو إعراب جملة مدرسية بسيطة فيها تقديم وتأخير.

ولو يملك أحد المناظرين الجراءة وتخلص من الحرج،  وطرح عليهم أسئلة بسيطة حول معنى آية، أو تصريف لفظة أو إعرابها أو توضيح أسلوب مجاز بها، أو استعارة أو كناية أو لفظة محسنة، لظهر عوارهم وانكشفوا أمام أنصارهم والمعجبين بهم، ولتبين للمشاهدين أنهم أدعياء لا نصيب لهم في علوم القرآن واللغة، ولكن منهجهم مقتصر على المتشابه من القرآن ابتغاء الفتنة والتشويش على المؤمنين، وفي هؤلاء الشكاك قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 7).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!