-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (17): نزول القرآن وحيا

خير الدين هني
  • 209
  • 0
الحلقة (17): نزول القرآن وحيا

القرآن الكريم كلام الله المقدس، أوحى به -سبحانه- إلى نبيه وصفيه محمد بن عبد الله الأمي الفقير الذي نشأ على تربية الماشية لقومه في ضواحي مكة مقابل رزق يسير، نزل في وقت بلغت فيه العربية أوجَها في الفصاحة والبلاغة والذّرابة، نثرا وشعرا، وقد اشتهر العرب في عهد التنزيل بفصاحة اللسان وبلاغة البيان، وكانوا يتفاخرون فيما بينهم في الأسواق والمواسم بما يطرحونه من جميل الشعر وبليغ الخطب، وكان أرباب البيان منهم يتصدرون مجالس الشعر والخطابة، وكانت القبائل تفاخر بفصحائها وبلغائها وشعرائها وخطبائها.

كان الكلام المسجوع لوقعه الجميل على السمع مسيطرا على الحياة العربية، وكان الخطباء والكهنة يتفننون في تسجيع الكلام بالفواصل القصيرة المنمّقة بجميل السجع وعذوبة لحنه وجرسه، كما كان يفعل خطيبهم قس بن ساعدة، الذي يعدُّ من حكماء العرب، وأشهر خطبائهم وبلغائهم قبل الإسلام، تُوفى عام 600م، جعله «الشهرستاني» في كتاب «المِلَل والنحل»، من بين الموحدين لله سبحانه في الجاهلية، والمؤمنين بالبعث يوم الحساب، فقال: «وكان زاهِداً في الدنيا، خاصة بعد أنْ مات له أخوان ودفنَهُما بيده، وكان يَحضُرُ سوقَ عُكاظ ويَسيرُ بَين الناس ويُنذِرهُم، ولقد ضُرِبَ بِه المَثلُ في الخطابة والبلاغة والحكمة». وورد في التراث الجاهلي حكم كثيرة، منسوبة إلى قس بن ساعدة، منها هذه النتف: «إذا خاصمتَ فاعدل، وإذا قلتَ فاصدق، ولا تستودعنَّ سرك أحداً، فإنك إن فعلتَ لم تزل وجِلاً»، وقوله: «مَن عيَّرك شيئا ففيه مثله، ومَن ظلمك وجد مَن يظلمه، وإذا نهيتَ عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهِماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً».

وكان يضرب به المثل في البلاغة والفصاحة واللّسن، فيقولون: «أبلغ من قسّ»، وكان أول من اتكأ على عصا في خطبه، وأول من قال أما بعد، وأول من كتب من فلان إلى فلان، وأول مَن قال: «البيِّنة على مَن ادَّعَى واليمينُ على مَن أنكر»، كان يجوب سوق عكاظ في المواسم واعظا ومذكرا الناس، بأن يستفيقوا من غفلتهم التي نوّمتهم فيها أساطير الجاهلية بعاداتها وطقوسها الوثنية. فقال في إحدى خطبه: “أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تَمور وبحار لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر.. إِنَّ في السَّمَاءِ لَخَبَراً، وإِنَّ فِي الأرضِ لَعِبَراً، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟!، أرَضُوا فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر إياد، يا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُونُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه، يقسم (قسّ) بالله قَسَماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضَى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!