-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (19): إسراف القصّاص في تشويه الصورة الجسدية للكهان

خير الدين هني
  • 552
  • 0
الحلقة (19): إسراف القصّاص في تشويه الصورة الجسدية للكهان

كانت منزلة الكاهن تتجاوز سمعة قبيلته، إلى غيرها من القبائل لشهرة نبوءاته بالغيب، وما يقع من غارات وحروب في المستقبل، ولذلك كان العرب يقصدونهم في منازلهم وإن نأت عن ديارهم. ولعل الكثرة من الكهان كانوا من اليمن، لوجود صلة وثيقة بين انتشار الوثنية وخدمة المعبد من الكهان، خلافا لعرب الشمال الذين كانوا يدينون بالتوحيد لزمن غير يسير.

قد يُسرف القصاص في أخيلتهم، فيرسمون لبعضهم صورًا مشوّهة تدل على غرابة تكوينهم وخِلقتهم، على نحو ما اشتهر من روايات عن شقّ الذي كانوا يصورونه على هيئة شقّ رجل أو شطره، فله عين واحدة تقع في صدره، وينتهي شقّه بيد واحدة ورجل واحدة أيضا، ويصورون معاصره سَطيح بن ربيعة الذئبي، الذي كان كتلة من اللحم خالية من العظم تعلوه جمجمة إنسان، وله وجه يقع في صدره من غير أن يكون له عنق يوصل رأسه بجسده.

ومن الكهان الذين أدركوا الإسلام ودخلوا فيه، سواد بن قارب الدَّوْسيِّ، وممن اشتهر منهم الكاهن المأمور الحارثي، كاهن بني الحارث بن كعب، وخُنافر الحميري، وكان يدعي أنه أسلم بأمر من تابعه المسمى “شطار”.

وكان أكثرهم كهانة عُزّى سَلِمة، الذي روي عنه، قوله: “والأرض والسماء، والعقاب والصقعاء، واقعة ببقعاء، لقد نفر المجد بني العشراء للمجد والسناء”، ومن أشهر الكاهنات النساء، الشعثاء وكاهنة ذي الخلصة والكاهنة السعدية والزرقاء بنت زهير والغيطلة القرشية وزبراء كاهنة بني رئام، ومما يروى عنها أن أنذرتهم بغارة عليهم، فقالت: “واللوح الخافق والليل الغاسق والصباح الشارق، والنجم الطارق والمزن الوادق، إن شجر الوادي لَيَأدو خَتْلًا، ويحرق أنيابًا عصلًا، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، لا تجدون عنه مَعْلًا”.

كان سجع الكهان مما اشتهر به العصر الجاهلي، وقد عرف رواجا كبيرا بين الخطباء والحكماء والكهان، وهذا ما جعل كفار قريش يشتبه عليهم أمر القرآن الكريم عند نزوله على النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، فخالوه سجعا مما يسجعه الكهان، لذلك اتهموا النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالشعر ثم بالكهانة ثم بالسحر والتقوّل على الله، فرد عليهم الحق سبحانه مقسما لهم، بأغلظ الأقسام على أنه ليس بشاعر ولا كاهن ولا ساحر، وإنما هو كلام الله أنزله على قلب رسوله الكريم، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون﴾، (الحاقة: 38- 43)،  وقال سبحانه: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾، (الطور: 29).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!