-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحلقة (35): دعوة إلى الحياة بالدّين

أبو جرة سلطاني
  • 645
  • 0
الحلقة (35): دعوة إلى الحياة بالدّين
أرشيف

هي دعوة إلى التّحليق بالقرآن المجيد عاليا، إلى سمـوّ العدالة الاجتماعيّة التي تجعل الحياة بالدّين أكثر جمالا عندما تصبح الشّريعة نفسها خاضعة لسلطان العدل، وهي ليست مسألة جديدة تماما، فقد دندن حولها كثير من أساطين العلم وجهابذة الشّريعة، لكنّ الجديد فيها هو محاولة جمع ما تفرّق، وتوليف المتنافر من أقوال الرّجال. ومن ذلك أنّني حاولت أنْ أختطّ لنفسي منهجا وسطا بين مأثور الطّبري، وسُنيّة البغوي وأحكام القرطبي، وتكرار الدّمشقي ومقاصد التّونسي، وذوق القطبي، وروحانيّة الشّعراوي.. فألفيت نفسي أنتصر حينًا لحجيّة المقاصد في تدابير شؤون الحياة وأقضيّة الوجود، وأجنح حينًا آخر إلى روحانيّة المسالك النّفسية والعلاقات الاجتماعيّة في منظومة القيم، وأميل تارةً إلى تاريخيّة الرّسالة وجهاديّة الدّعوة والبلاغ والبيان في مواكب الرّسل -عليهم السّلام- وأقف طورًا أمام واقعنا المأزوم.. وما غادرت مسْحات الجمال وروْنق اللّغة وسحْر البيان في تناغم تسبيح الكون كلّه لله في بدائع الخلق وسلطان الملك لإدراكي يقينًا أنّ “المعجزة القرآنيّة” باقية ما بقيت السّموات والأرض، ولكنّ الأمّة اليوم بحاجة إلى “تفسير حرَكي” تتداخل فيه حركة الفقه بحركة الحياة، وتتعانق فيه السّياسة بالاقتصاد والثّقافة بالاجتماع والعمل بالعلاقات الإنسانيّة والدّعوة بالدّولة والشّريعة بالقانون والجماعة بالمجتمع.. ويُصْهر كلّ ذلك في بوتقة ما جاءت به الأنبيّاء والمرسلون -عليهم السّلام- في القول المكرور والنّداء المشهور بالدّعوة إلى عبادة الله وحده: ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (هود: 50)، في سبيل تحرير الإنسان.

واجب الوقت يدعو إلى بيان حاجة الأمّة إلى فهم مرونة هذا الدّين وشموله وواقعيّته وجمال ربّانيته وقدرته على الارتقاء بالإنسان إلى علوّ ما كرّمه الله به، بفهم لا يزيغ عن الحقّ، لا يشتطّ ولا يتماوت، وبدعوة لا يبتعد عنها سالكٌ لوسطيّة هذا الدّين لمن أراد أن يكون شاهدا على عصره موقنا أنّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- عليه شهيد. ولست أزعم لنفسي الإحاطة بلطائف الحقّ وشوارد الخلق ومعجزات التّنزيل وفقه التأويل.. فقد قطع الله -جل جلاله- عن الخلق -بعد رسوله الكريم- أسباب التّواصل مع الغيب، ولم يترك لهم من هذا الباب إلاّ عطاء الفهم بعميق النّظر، وواسع التفكّر، وصفاء التدبّر، مع حسْن اهتداء وصواب اقتداء، إذا لم يكن على قلوب النّاس أقفالها فيقال: ما أُرانا نقول إلاّ مُعادًا. أو يقال: هل غادر الشّعـراء من مُتردّم؟ والحقّ ليس كذلك، فلكلّ أمة عطاؤها، ولكلّ جيل قضاياه. أما الأيام فدُول بين الناس، ولا يضرّ المؤمنين من ضلّ إذا اهتدوا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون﴾ (المائدة: 105)، بإصلاح أنفسنا والاجتهاد في تحصيل العمل الصّالح واليقين بأنّ كلّ نفس بما كسبت رهينة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!