-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (9): هكذا صارت الرؤية مستحيلة والقرآن مخلوقا عند المعتزلة!

خير الدين هني
  • 893
  • 0
الحلقة (9): هكذا صارت الرؤية مستحيلة والقرآن مخلوقا عند المعتزلة!

أصحاب المدرسة العقلية من المعتزلة ومن سار على نهجهم، ينفون الرؤية السعيدة في الجنة، لأنّ عقولهم تكلّ في تعقل أن يتحيّز الله في المكان والزمان والجهة، لاستحالة صفة التحيز على الله تعالى، لأن الله بكماله وعدم مماثلته للمخلوقات والموجودات، تستحيل عليه الأفعال المشابهة للمخلوقات، من التجسيد والعضوية والتحيّز والسمع والبصر والتكلم، ويؤولون الآيات التي ظاهرها التجسيد والمماثلة بالقدرة على الفعل، لذلك نفوا أن يكون القرآن كلام الله، لآن الكلام يلزم العضوية، أي، الجهاز الصوتي الذي يتكون من الحنجرة واللسان والأسنان والشفتين، وهذا ليس مما يوصف به الله تعالى، لذلك أولوا معنى كلام الله بالخلق، فقالوا خلق الله القرآن، وخلق الله الشعلة في العليقة التي كلمت الله في جبل الطور ولم يتخذ الله إبراهيم خليلا.

وذهب ضحية هذا التفسير العقلي الجعد بن درهم، الذي كان ينشر هذا المذهب المفسد لعقائد العوام من المسلمين في الكوفة والبصرة، وهو الكلام الذي يخالف ظاهر القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ولا يجوّز الشرع الخوض فيه لأنه يفسد العقائد ويشوش على النفوس الإيمان بالله والقرآن والملائكة والبعث والنشور والجزاء، وقد نهاه الوالي وحذّره من الاستمرار في إفساد عقائد المسلمين، فلم يسمع نهيه وتحذيره، فلما أصرّ على العناد والمكابرة والخروج عن إجماع الأمة، قبض عليه خالد القسري والي العراق، ونفذ فيه حكم القتل لخروجه عن الإجماع في فهم القرآن وتأويلِه معانيَه الظاهرة والباطنة.. وأصحاب المدرسة العقلية الصرفة يخضعون المنقول إلى المعقول، حينما تتعارض وجهات نظرهما حول مسألة عقدية أو معنوية أو تأويلية، فما يقبله العقل عندهم هو الحقيقة المثبتة، ومالا يثبته العقل أوّلت النصوص بما يتماشى مع العقل ويقتنع به، ولذلك نراهم يؤولون آيات الرؤية السعيدة بأهوائهم وآرائهم وعقائدهم التي تتجافى مع علم الله وحقائق الغيب التي التبس عليهم أمرها، لأن معايير الآخرة وقوانينها الفيزيائية تختلف عن المعايير الحسية التي ألفوها في الحياة الدنيا.

والعقل مهما تعمق في التفكير والنظر، لا يمكنه إدراك العلاقة الحسية بين تجلي الذات الهية، وبين اندكاك الجبل وتسويته بالأرض المسطحة، وهو عبارة عن تكديس مرصوص من كتل الصخور والحجارة الصلبة، ارتفع بعضها فوق بعض إلى السماء بمئات الأمتار، والجبل مخلوق جامد لا عقل فيه ولا روح نابضة بالحياة ولا حس ولا إدراك ولا حركة به، ومع ذلك لم يصمد أمام التجليات الإلهية، واستوى بالأرض، والمؤمنون الخلّص يؤمنون بذلك نقلا وتسليما، وهم لا يعرفون طريقة التجلي والاندكاك، ولكنهم مستيقنون بوقوع ذلك، من غير إرهاق أنفسهم في التفكير بما يفوق حدود عقولهم وقدراتهم.

لأن أصحاب الفطر السليمة التي لم تلوثها نظريات التشكيك، يعلمون أن العقل البشري محكوم بعالم الحس، وما ينقل إليه من طريق الحواس يدركه بصوره الحسية، فإذا تجردت المعاني من الصور الحسية، تعقّلها العقل تجريديا من طريق القدرات الذهنية المركوزة فيه فطريا، وعالم الغيب غير محسوس لأنه بعيد عن مجال إدراك العقل، ولذلك يؤمن به المؤمنون من طريق الوحي والسنة النبوية المشرفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!