-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحوار الاجتماعي والفكر الأحادي 

جمال غول
  • 502
  • 0
الحوار الاجتماعي والفكر الأحادي 
ح.م

من أهم أدوات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتقدمة، الحوار الاجتماعي الذي تُعرفه منظمة العمل الدولية بأنه كل تفاوض جماعي (إجراءات، استشارات، أو حتى مجرد تبادل المعلومات بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين) فهل يوجد مثل هذا التفاوض في الجزائر؟

إن قانون علاقات العمل (11-90) الذي تحدَّث في الباب السادس منه عن التفاوض الجماعي الذي هو أحد أرقى أشكال الحوار الاجتماعي، نجد فيه ضمن 21 مادة مكوِّنة له ثلاث مواد فقط تتحدّث عن التفاوض الجماعي والبقية كلها متعلقة بنتائج هذا التفاوض وهي الاتفاقيات الجماعية، وهذا ما يدلنا على عدم وجود آليات إجراء التفاوض الجماعي، فكيف سيكون الحوار الاجتماعي؟

وإذا تحدثنا عن أشكال هذا التفاوض، نجد أنه إما أن يكون ثلاثيا أو ثنائي الأطراف (الحكومة، ممثلو العمال وممثلو المستخدِمين أو ممثلو العمال وممثلو المستخدِمين)، فأما ثلاثي الأطراف فهو موجودٌ لكنه غير منظم أو مقنن وهو ما يسمى بالفرنسية (informel) أي لا يعتمد على إجراءات مؤسسة قانونا، وبذلك فإن كل الحوارات التي جرت في إطار هذه الثلاثية منذ 1989 يمكن أن نطلق عليها رقابة اجتماعية وليس حوارا جماعيا إذ كانت أداة الرقابة فيها هي نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين حسب البروفيسور قريشي، كما أن من ثمرات هذا الحوار إذا ما تم وفق الإجراءات القانونية أن ينتج لنا العقود الاجتماعية وهو ما لم نحلم به سابقا!

وأما إن كان التفاوض ثنائيا خاصا بمؤسسات قطاعية فهو ما يسفر عن اتفاقيات جماعية للأسف يُعمل بها في بعض القطاع الاقتصادي العمومي فقط رغم صدور القانون الذي يُلزم به تحت طائلة العقوبات منذ ثلاثين سنة، أما الخاص منه فحدِّث ولا حرج لمعاناته المريرة من معارضة شديدة للممارسة الحريات والتمثيل النقابي فيه.

أما القطاع العمومي فإنّ الحق النقابي الساري لم يعترف لهم بعد بالتفاوض الجماعي، وهذا ما يجعل محاضر الاجتماع بين النقابات وقطاعاتهم غير مُلزِمة ولا تُطبَّق غالبا ولا يكون لعدم تطبيقها أيُّ تبعات، وهذا نوع من الكيل بمكيالين بين القطاعين الاقتصادي والعمومي وهو ما يمثل ازدواجية في القانون ينبغي إلغاؤها.

وإذا تحدثنا عن الغاية من الحوار الاجتماعي نجد أن منظمة العمل الدولية تحدده بأنه تشجيع إيجاد الحلول التوافقية، وعند الحاجة حل مشاكل اقتصادية اجتماعية ذات أهمية، كل ذلك بغرض الوصول إلى الحكامة الرشيدة أو السعي لتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعي أو تحقيق تحفيز الاقتصاد .

فهل مع عدم توفر شروط الحوار الاجتماعي في شكل التفاوض الجماعي التي حوّلت هذا الحوار إلى رقابة اجتماعية، يمكننا أن نتحدث عن بلوغ هذه الأهداف؟

كما أن ذات المنظمة تجعل لهذا الحوار الاجتماعي شروطا لنجاحه منها وجود الإرادة السياسية مع وجود تنظيمات نقابية قوية وذات كفاءة، وهذا ما لم نستطع الوصول إليه في المرحلة السابقة بسبب التضييق الممنهج على النقابات المستقلة إلى درجة عدم الترخيص باجتماع عمومي تنظيمي في قاعة عمومية فضلا عن الترخيص باحتجاج أو مسيرة! مع تقديم بالمقابل كل التسهيلات للانخراط في النقابات التابعة الخادمة المنبطحة التي تحوّلت إلى لجان مساندة للعهدات المتواليات، ولم تكن هناك إرادة سياسية خارج تأمين السرقات والنهب والفكر والممارسات الأحادية !

أما وإننا واقفون اليوم أمام أبواب جزائر جديدة وانطلاق نهضة اجتماعية في طور التكون والنبات، فإن تدرجها في مدارج النمو متوقف على التدبير الحسن الذي نجمل بعضا من أساسياته في النقاط الآتية:

أولا: عدم الاستمرار في المعزل عن الحقائق وفي الصمم عن الاستماع للنصائح ومختلف الطرائق لأن ذلك سيمنع من وزن الأمور بموازينها ويفتح المجال واسعا للرداءة، وقديما قالوا: “من كتم داءه قتله”.

ثانيا: الحاجة مُلحّة إلى إنشاء أجهزة قطاعية تشاركية دائمة تتشكل من ممثلين عن الوزارات والنقابات والخبراء.

ثالثا: الإسراع في عملية تطابق المعايير القانونية الجزائرية مع نظيرتها الدولية .

رابعا: تعميم العمل النقابي في القطاع الاقتصادي العمومي وفتحه في القطاع الاقتصادي الخاص.

خامسا: مراجعة القوانين المتعلقة بكيفيات ممارسة الحق النقابي وكذا الأحكام المتعلقة بالتفاوض الجماعي بحيث تتطابق مع التعدية النقابية وتلغي الازدواجية فيها بين القطاع الاقتصادي والعمومي .

سادسا: تأسيس حوار ثلاثي الأطراف وفق إجراءات قانونية مؤسسة تشارك فيه النقابات المستقلة مشاركة أساسية بحسب تمثيلها الحقيقي.

سابعا: تفعيل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي صدر مرسوم إنشائه في سنة 2017 وبقي حبيس الرفوف وطي النسيان إلى يومنا هذا وهو المجلس الذي من ضمن مكوناته النقابات الأكثر تمثيلا.

ثامنا: تحديد مصطلح الأكثر تمثيلا الذي يحتسب حاليا بعدد المنخرطين وهو معيار معلول وجب الانتقال إلى المعيار السليم وهو نسبة العضوية في المجالس المنتخبة (اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء(.

تاسعا: إجراء انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء في يوم واحد على المستوى الوطني بحيث تبتدأ كل العهدات في نفس التاريخ حتى نستطيع حساب التمثيل الحقيقي ويستقيم بذلك حال لجان الطعون الولائية أيضا.

عاشرا: تحويل الإشراف على الحوار الاجتماعي في قطاعات الوظيف العمومي من وزارة العمل إلى المجلس الأعلى للوظيفة العمومية لنعالج بذلك ما أغفله باب التفاوض الجماعي في قانون علاقات العمل (11-90).

إن الحوار الاجتماعي الذي تضمنه برنامج عمل الحكومة الحالية وفي هذه الظروف الصعبة وجب ترقيته إلى حوار اجتماعي حضاري بالمعايير الدولية وعندئذ سنشاهد آثاره التي نشاهدها عند غيرنا من إنتاج نهضة منظمة في جميع لوازم حياتنا وبذلك نقضي على الفكر الأحادي وذلك ما يتمناه العقلاء منا والمفكرون المخلصون.

ملاحظة: المقال مستخلص من اجتماع وزارة العمل بالنقابات في اليوم الإعلامي المنظم يوم 20 فيفري 2020 تحت شعار “حوار اجتماعي شامل من أجل جزائر جديدة” بحضور وزير العمل وممثل الوزارة الأولى وكذا مدير الوظيفة العمومية ومثل منظمة العمل الدولية ومدير المعهد الوطني للعمل وممثلين عن الوزارات القطاعية وإطارات وزارة العمل، الذي أطره البروفيسور قريشي بمحاضرة حول “الحوار الاجتماعي بين تشريع منظمة العمل الدولية وتطبيقه في الجزائر”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!