-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

الحوار … المنقذ

محمد عباس
  • 3439
  • 0
الحوار … المنقذ

حادثة المدير العام للأمن الوطني، الخميس الماضي، تنبيه جدي لأهل الحل والعقد، بأن الجزائر اليوم أحوج ما تكون إلى حوار اجتماعي حقيقي، حوار نزيه وجاد يحترم الآخر ويستمع إليه باهتمام .

إن التوتر الاجتماعي المتصاعد ـ والذي ينذر بالانفجار في أية لحظة ـ بحاجة أكيدة إلى حوار نزيه وجاد؛ حوار لا علاقة له بما تقوم به بعض الوجوه الإدارية الوقحة التي تتراقص يوميا بشكل استفزازي أمام فئات من العمال المحبطين ـ بغلاء المعيشة وانسداد الأفق السياسي ـ وهي تردد  مونولوجا  غبيّا،  ملوّنا  ـ  بطريقة  سمجة  ـ  بلون  الحوار !

وعندما  نتحدث  عن  ” الحوار  النزيه  والجاد ” ،  فإن  من  حقنا  ـ  كمواطنين  ـ  أن  ننتظر  المبادرة  والقدوة  من  القاضي  الأول  في  البلاد،  لأنه  الوسيط الأول  لنظام  الحكم  لدى  المحكومين  بمختلف  فئاتهم .

والحال  أن  القاضي  الأول  نفسه  يخاطب  هؤلاء  المحكومين  في  المناسبات،  وبالرسائل  المشفّرة،  وبخطاب  لا  علاقة  له  في  معظم  الأحيان  بهموم الناس  وما  ينتظرون …

ولسنا ندري إن كان نظام الحكم شاعرا، بأن ممارسات الحكام طوال العقد الماضي ـ وقبله!ـ قد أفرغت أغلب الوسطاء الاجتماعيين من محتوياتهم! ويشكل إلغاء هيئة وسيط الجمهورية في مطلع القرن مؤشرا قويا، بأن الحكام الجدد لا يقدرون أهمية الحوار الاجتماعي حق قدره، وأنهم بإلغاء  هذه  الهيئة  إنما  يسدون  صمام  أمان،  لا  شك  في  جدواه  عندما  تتصاعد  التوترات  وتصبح  بحاجة  إلى  تنفيس  أو  تخفيف  من  حدتها  على الأقل .

لقد  جاءت  هذه  الهيئة  في  حينها،  لتعوض  التقصير  المتزايد  للمؤسسات  السياسية  والاجتماعية  خاصة  في  أداء  مهامها  على  هذا  الصعيد  الحيوي .

لقد  كانت  قسمات  الحزب  الواحد  وكذلك  الهياكل  النقابية،  فضلا  عن  البلديات،  كانت  ـ  قبل  عهدا  ” الانفتاح “(!) ـ  خلايا  فاعلة  لحوار  اجتماعي دائم .

– فهل  يمكن  أن  نقول  اليوم  عن  ” أحزاب  التحالف ” مثلا،  أن  لها  هياكل  فاعلة  متفاعلة  في  هذا  المجال؟ !

– وماذا  عن  ” نقابة ” سيدي  السعيد  وقد  تجاوزتها  النقابات  الحرة  من  كل  جانب  بعد  أن  لجأ  إليها  ” بقايا  العمال ” الهاربين  من  تخاذل  ” النقابة المركزية ” وتلاعب  مسيريها؟ !

– وماذا  عن  المنظومة  الإعلامية؟ ! فهل  حفظ  حكامنا  لرجل  الإعلام  ماء  وجهه  باعتباره  وسيطا  اجتماعيا  بامتياز؟ !

إن الصحافي ـ كأي وسيط ـ من الضروري أن يكون مقبولا ليس من الحكام وحدهم، بل مقبولا كذلك من المواطنين، حتى يؤدي المطلوب منه أداء سليما ناجعا. فهل يمكن أن نقول اليوم بأن هذا الصحافي مايزال يحظى بقدر معقول من المصداقية يؤهله لمواصلة القيام بالوساطة الاجتماعية قياما  سليما؟ ! لقد  وظف  النظام  أخيرا  هذه  المنظومة  في  التطبيل  لكرة  القدم  والفريق  الوطني .

لكن هل حسب جيّدا حساب الوجه الآخر للعملية؟! ذلك أن الإفراط في التركيز على الكرة إن كان يرضي جمهور الكرة، وربما ينفّس عنه ويمتص التوتر في صفوفه، فإنه بالمقابل يمكن أن يغذّي توتر فئات أخرى، ينتابها الشعور جراء ذلك بأن الحكام أصبحوا يجتهدون لتلهية الناس، لأنه  لم  يعد  لديهم  ما  يقدمون  لهم  باختصار !

ومهما  يكن،  فإن  مثل  هذه  الأساليب  لا  يمكن  أن  تكفي  وحدها  لامتصاص  التوترات  الاجتماعية  المتصاعدة  من  كل  جانب،  والتي  باتت  تنذر بالانفجار  في  أية  لحظة .

ولعل من المفيد، في هذا السياق، أن نذكرّ مرة أخرى ـ بناء على ما نشاهد يوميا عبر العالم من حولنا ـ بأن التسيير الإداري والأمني للشؤون العامة أمر ضروري لكن غير كافٍ، وأن التسيير السياسي مكمّل لا غنى عنه، لأنه بوابة الحوار الاجتماعي وأداته في نفس الوقت.

ويعني ذلك باختصار، رد الاعتبار للوظيفة السياسية في المجتمع، وفسح المجال أمام رجال السياسة ـ الحقيقيين لا المفبركين! ـ كي يقوموا بدورهم الحيوي، حسب ما تقتضيه وضعية البلاد الخطيرة من مسؤولية واستعجال.

لقد أوصل عقدان من التعددية المزيّفة والأحزاب المصطنعة والتسيير العبثي للشأن العام ـ في ظل توقف حركة التنمية وتبديد المال العام فيما لا ينفع العباد والبلاد ـ الجزائر إلى حافة الانفجار، الأمر الذي يفرض على الجميع أن يراجعوا أنفسهم وحساباتهم، تجنّبا لكارثة وطنية  قبل فوات  الأوان .

إن التوترات الاجتماعية الخطيرة التي تستبد بالساحة الوطنية ـ كامنة دائما وسافرة أحيانا! ـ تستدعي تدخل رجال سياسة من الشباب القادر على المواجهة والتصدي، بالحوار النزيه المسؤول من جهة وبالحزم والصرامة اللازمة من جهة ثانية… بعد أن أثبت حكام الساعة ـ بما لايدع مجالا  لشك  أو  تأويل ! ـ  عجزهم  عن  القيام  بمثل  هذا  الحوار  الاجتماعي  السياسي  المنقذ .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!