-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحَراك.. عن عدد المتظاهرين وعلاقته بالديمقراطية

جمال لعبيدي
  • 1149
  • 1
الحَراك.. عن عدد المتظاهرين وعلاقته بالديمقراطية
ح.م

في البلدان الديمقراطية، يتمّ تقديم أرقام عدد الأشخاص المشاركين في مظاهرة ما، وذلك نظرا لأهميتها في إعلام الرأي العامّ ولأهميتها الاجتماعية والسياسية بالنتيجة. لذلك نراها تثير باستمرار جدالات حادة بين المناصرين والخصوم لأيِّ مظاهرة، وخاصة بين الجهات الرسمية والمنظمين.

في المقابل لا يوجد عندنا شيءٌ من ذلك بشأن المظاهرات التي تقع باسم الحَراك. لا يتم تقديم أرقام، سواء من قبل السلطات أم من قبل وسائل الإعلام أم الأحزاب أم الأطراف المعنية المختلفة. إن مثل هذه الأرقام مفيدة لتتبع تطور الحراك الذي انطلق كحركة تقوم على الإجماع وأصبح الآن، بشكل خاص، تحرُّكا لمتظاهرين معادين للسلطات الحالية ومعارضين لمسعاها الرامي إلى إيجاد مخرج للأزمة.

الذي يحدث حتى الآن هو أننا نقرأ أو نسمع، عن نفس المظاهرة ليوم الجمعة أو الثلاثاء، تقديرات متنوعة ومتناقضة: “مئات”، “آلاف”، “عشرات الآلاف”، بل “مئات الآلاف” وحتى “ملايين المتظاهرين” إذا شهد التجنيد زيادة معتبرة. في مثل هذه الحالات، هناك من يتحدث عن وقوع تسونامي أو طوفان، عن “مظاهرات طلابية هائلة” أو “متظاهرين مصممين”. بل سبق أن ذكرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أن نصف الجزائريين تظاهروا. هكذا نجد التقديرات، الانطباعات، الآراء أو المواقف ببساطة، تحلّ محل الأرقام.

لماذا لا يتم تقديم أرقام؟ استفهام مطروح.

أردت إذن بذل جهد لمعرفة المزيد، لأن باستطاعة أي شخص تكوين فكرة عن هذا الموضوع. اخترتُ أبسط طريقة، الطريقة التي تمكنني من الوصول إلى نتيجة تقريبية، وهي “طريقة جاكوبس”. إنها تقوم على حساب كثافة المتظاهرين على مدى مسافة معيَّنة ومعلومة وعلى تجمهر المتظاهرين في موضع محدَّد، كما يحدث بالنسبة لأغلب مظاهرات الجمعة في الجزائر العاصمة. ولنأخذ مظاهرة الجمعة الحادية والثلاثين كمثال لكونها تميزت، كما قيل، بدرجةٍ عالية جدا من التجنيد وأيضا لوجود صور من الجو عن المساحة التي احتلتها.

هناك 500 متر من “البريد المركزي” إلى “ساحة أودان”، وهي المسافة التي تشهد عادة تجمهر المتظاهرين. ولنحسب –بالراحة-850 م حتى قاعة “سينما الجزائرية”. بصفة عامة، يجري تقدير معدل الكثافة بصفين من المتظاهرين على كل متر وتقدير معدل المتظاهرين بـ10 في الصف، فتكون العملية كالآتي: 850x 20= 17.000 متظاهر وفق فرضية منخفضة. وأما وفق فرضية عالية وحساب ثلاثة صفوف من المتظاهرين في المتر و15 متظاهرا في الصف، أي 45 متظاهرا في المتر فتكون العملية كالآتي: 850 x 45 = 38.250 متظاهر وهذا مع العلم أن شارع ديدوش يتّصف بالضيق مقارنة بجادات عواصم أخرى كثيرة.

مهما يكن، نجد في الحالتين نتيجة غير متوقعة وبعيدة تماما عن كل ما قيل بهذا الشأن.

لنواصل الآن العملية. بما أن مدينة الجزائر وضواحيها تؤوي 8 ملايين نسمة، يمثل المتظاهرون الحاليون وفق أعلى فرضية أقل من 0,5 % (0,48% بالضبط) من سكان العاصمة. وإذا طبقنا هذه النسبة على مجموع الجزائريين عبر البلاد، يمكن أن نقدر عدد المتظاهرين على المستوى الوطني بـ210.375، وهو تقدير مبالغ فيه بالطبع، لأن المظاهرات ليست عامة وخاصة في البوادي.

هذه الحسابات قابلة للنقد، هذا صحيح، ولذا أدعو كل الذين يعترضون عليها أن يقوموا بتصحيحها، لاسيما وأن الإنترنت تزخر بمجموعة من الأدوات المُساعِدة على ذلك. انظر إلى (1)؛ فالنقاش حول هذا الموضوع قد يكون مفيدا ومثمرا.

هل يمكن لـ0,5% أن يقرروا في مكان مجموع المواطنين؟ حتى لو ضربنا الأرقام المارّ ذكرها في اثنين أو ثلاثة، وهو تضخيمٌ كبير، لن يحدث تغييرٌ يُذكر وذلك لأن المتظاهرين هم حتما، من حيث التعريف، أقلية من السكان. ومع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار كون هذه الأقلية قد أظهرت، أسبوعا بعد أسبوع، ثباتا وروحا قتالية جديرين بالتنويه. ثم إن أقلية نشيطة من المتظاهرين قد تمثل رأي أغلبية السكان، وهي حالة ممكنة نظريا ولكنها قد لا تكون كذلك واقعيا. كيف نتعرف على الحقيقة؟ من خلال التصويت، من خلال الانتخابات بالطبع، من خلال الديمقراطية باختصار. مسألة لا مفرّ منها.

إذن لدينا هكذا كيفية التوصل ربما إلى إجابة عن السؤال المطروح أعلاه: لماذا لا تُقدَّم أرقامٌ حول المتظاهرين؟ من يناسبه هذا السلوك؟ قد يناسب الجميع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مراد

    قبل أن أنتهي من قراءة ذلك النص حتى عرفت ماتصبوا إليه،محاولة ذكية ولكن حتى و إن كانوا قلة كما تزعم و لكنهم على حق. كيف تقبل بإنتخابات تحت إشراف العصابة و ألزمها.....