-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الخصام اللغوي ومزدوجو الجنسية في الفريق الوطني

جمال لعبيدي
  • 471
  • 1
الخصام اللغوي ومزدوجو الجنسية في الفريق الوطني
ح.م

“اللغة الفرنسية غنيمة حرب”.. هذه العبارة تحيرني منذ أعوام عديدة. كيف أصبحت فكرة شاذة كهذه عنوان التقاء قسم من النخبة الفرنكوفونية الجزائرية؟ هل قامت الجزائر بحرب زادت مدتها على سبع سنوات، وهل كافح مئات الآلاف من الجزائريين وضحوا بحياتهم من أجل.. اكتساب اللغة الفرنسية؟ إنه أمر مناف للعقل.

إنها غنيمة حرب، نعم، ولكن لفائدة من؟ للحصول على إجابة واضحة، يكفي أن ننظر إلى الإمكانات التي تسخرها منظمة الفرنكوفونيا، بل يكفي الاطلاع على الجهود التي بذلها سفير فرنسا بالجزائر مؤخرا دفاعا عن حضور اللغة الفرنسية.

هكذا يكون للاستعمار جانب إيجابي وهو هذا الإرث المتمثل في اللغة الفرنسية؟ لا يجرؤ هذا القسم من الفرنكوفونيا المحلية على استخلاص هذا الاستنتاج، في حين أنه لا يتردد في التنديد بالاستعمار الفرنسي في مسائل أخرى. إنه تناقضٌ وجودي خاص بهذه الفئة الاجتماعية، وهو التناقض الناجم عن مصالح اقتصادية واجتماعية وعن اللباس الإيديولوجي الذي يموه عن مصالحها من خلال تقديمها على أنها هي المصلحة العامة، كما هو الشأن دائما بالنسبة للفئة الاجتماعية التي تتطلع للسيطرة.

يتمثل واحدٌ من أساليب هذا التمويه الإيديولوجي في تقديم اكتساب الفرنسية على أنه اغتناء. وهو كذلك بالفعل ولكن على المستوى الفردي، مثلما هو الحال عند اكتساب أيِّ لغة كانت. حقا من الأفضل للإنسان أن يتعلم لغتين أو أكثر، لكن الأمر يتعلق هنا بالتفكير لا على المستوى الفردي وإنما على المستوى الاجتماعي. فالفرد شيء والمجتمع شيء آخر وهو ليس مجموعة من الأفراد؛ فهو يحتاج إلى أن يتفاهم وأن يتحادث وبالتالي فهو يحتاج إلى الكلام بنفس اللغة لأسبابٍ اقتصادية، اجتماعية وثقافية، من أجل العمل والتبادل، أي لأسبابٍ وطنية. البعض يقع إذن ضحية الالتباس الواقع بين المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي. فعلى قدر ما يكون اكتساب لغة ما إثراءً للفرد، يكون فرضها على أمة عكس ذلك تماما. في الحالة الثانية، نكون بصدد فعل استعماري، فعل يدل على الخضوع والتطويع الاجتماعيين، وعلى التدمير الثقافي والاستلاب والتفقير.

نعم، اللغة هي السلطة أيضا، السلطة السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية: إنها السلطة الاجتماعية إذن. من هذه الزاوية، ليس الخصام القائم خصاما لغويا بحتا وإنما هو خصام مصالح متصارعة، الأمر الذي يفسّر حدته، خاصة فيما يتعلق بمجال أصبح محل رهانات رئيسية عنوانها الإبقاء على اللغة الفرنسية كلغة أعمال. نعم، النشاط الاقتصادي هو النشاط الحاسم. والممارسة اللغوية تؤدي، لا محالة، دورا جوهريا في المحافظة على اللغة وفي تنميتها. فمهما تقدَّم التعريب في المدرسة والجامعة، يظل الخروج إلى عالم الشغل وحتى إلى عالم الشارع، يعني العودة، من خلال المحيط التجاري والاقتصادي الموجود، إلى الفرنسية.

حديثٌ عن الإنكليزية

هناك أمرٌ يثير دهشتي باستمرار، ألا وهو شعور بعض الجزائريين بواجب الكتابة كلما بدا لهم أن حضور اللغة الفرنسية في الجزائر معرَّضٌ للخطر.إن تفسير هذا السلوك بما يسمى “حزب فرنسا” غير صحيح، في الحقيقة، لأنه مبنيٌّ على نظرية المؤامرة. هناك في الواقع آليات هيكلية (اقتصادية، ثقافية واجتماعية) تعيد توليد النفوذ الفرنسي عندنا بصورة شبه آلية ومن دون تدخُّلٍ من فرنسا.

هكذا كان مجرد الحديث عن إدخال اللغة الإنكليزية إلى الجامعة الجزائرية كافيا لكي يتمترس قسمٌ من النخبة الفرنكوفونية المحلية. وكما يحدث في أحيان كثيرة، كان هؤلاء ملكيين أكثر من الملك، في هذا الموضوع، كون الفرنسيين أنفسهم انتقلوا إلى الإنكليزية بكثافةٍ متزايدة في عدة مجالات (عالم الأعمال، العلوم…)، بما فيهم رئيس الدولة الفرنسية، إيمانويل ماكرون.

ما هي الحجة الرئيسية لهؤلاء الأنصار للحفاظ على الوضع القائم؟ إنها كالتالي: “تعوّدنا على الفرنسية”، والتخلي عن هذا المكسب لصالح لغةٍ أجنبية أخرى ما هو إلا تبذيرٌ للطاقات وللوقت.

ما أفقرها حجة! أما النسج على منوالها فيعطينا: كان يجب ألا نستقل “لأننا تعوّدنا على الاستعمار”، واليوم يجب ألا نغير السلطة السياسية “لأننا تعوّدنا عليها” ويجب ألا نمنح للأمازيغية مكانتها “لأننا تعوّدنا على العربية” ويجب ألا نمنح للعربية مكانتها “لأننا تعوّدنا على الفرنسية”، الخ.

إن الانتقال إلى الإنكليزية قد يطرح بعض الصعوبات، هذا صحيح. هكذا هو الحال عند الانتقال من تكنولوجيا معروفة إلى أخرى متقدِّمة عنها، مثلا، ولكن ما إن يحصل التكيُّف معها والتحكُّم فيها حتى تزداد الفعالية درجات. ومع ذلك يصحُّ التساؤل حول حقيقة صعوبة الانتقال إلى الإنكليزية بالنظر إلى المستوى البدائي للمعرفة بالفرنسية عندنا– خاصة لدى الشباب – واقتصارها على المصطلحات التقنية في أغلب الأحيان. بالإضافة إلى ذلك، سوف تبقى الإنكليزية لغة أجنبية حقا ولن تؤدي سوى وظائف اللغة الأجنبية، وهو أمرٌ عظيم الشأن في مجال الاتصال الثقافي الوطني. فمن الواجب أن نفصح هنا عن المشكل الحقيقي: إنه يتمثل في كون الفرنسية تستحوذ على وظائف لغة وطنية في الإدارة وفي الأعمال وفي الحياة السياسية والثقافية، بل وحتى في دنيا الانفعالات والفنون بالنسبة للأوساط الفرنكوفونية قلبا وقالبا. يقع كل ذلك بالطبع على حساب العربية والأمازيغية معا ويحدث مشاكل معقدة على مستوى اتصال الجزائريين بعضهم ببعض.

عودة الحديث عن المادة 51

تتواصل الحرب الاستعمارية الصغرى بشأن ازدواج الجنسية أيضا. يقوم البعض بمحاكمة لاعبي الفريق الوطني لكرة القدم المزدوجي الجنسية، على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما يقوم آخرون ممن تجنَّسوا بالجنسية الفرنسية بعد عمر طويل، من أساتذة جامعيين ومثقفين وإطارات فرنكو- جزائريين، باستغلال الفرصة لتبرير اختيارهم وحتى المطالبة بإلغاء المادة 51 من الدستور المتعلقة بهذا الموضوع.

في الحقيقة، هناك فارقٌ أساسي بين الوضعين. إن لاعبينا المزدوجي الجنسية لم يختاروا منزلتهم القانونية، كونهم تحصّلوا على الجنسية الفرنسية تحصيلا واقعيا وآليا، بالولادة كأبناء مغتربين. في المقابل، اتضح أن ما كان موضوع اختيارهم هو أن يكونوا جزائريين بأتم معنى الكلمة، أن يلعبوا في الفريق الجزائري، بالرغم من المخاطر والتضحيات، بما فيها تلك التي تتهددهم على مستوى حياتهم المهنية في فرنسا. وفي المقابل أيضا، إنهم قدّموا شيئا للجزائر: تكوينهم، كفاءتهم، وموهبتهم، فلم يخطئ الرأي العام بشأنهم. لكل هذه الأسباب، نال هؤلاء اللاعبون إعجاب وتقدير الشعب الجزائري. إن وطنيتهم، لا الكلامية وإنما الفعلية، تفسِّر كذلك شدة ارتباطهم بالبلاد الذي انعكس بوضوح في إصرارهم على انتزاع النصر.

هذه الوضعية مختلفة تماما إذن عن وضعية أولئك الذين نالوا الجنسية الفرنسية بمحض اختيارهم وغادروا بلادهم من أجل مصالحهم الخاصة وحدها، والذين يتبرعون لفرنسا بالتكوين والكفاءة اللذين منحتهما إياهم بلادهم بكلفة عالية.

بعض هؤلاء موجود منذ مدة طويلة خارج الديار، ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان مغتربا هنا أو هناك؟ ولا يزال هذا البعض يعطينا الدروس ويتفوه بكلام غير مسؤول ومتطرِّف على قدر بُعد المسافة التي تفصله عن البلاد.

سبق لنا أن شاهدنا نفرا منهم – إذ يجب عدم التعميم – وهم يدفعون باتجاه المواجهة بين الجزائريين. ووقعت المواجهة بالفعل وكانت مروِّعة. عندئذ تركوا البلاد وتركونا لمصائبنا وآلامنا. كان لهم وطنٌ بديل، لا نحن: هنا يكمن الفارق، كل الفارق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    ليس عنيمة حرب بل هي الجبنة التي توضع في الفخ لاصطياد للفأران أو السم الذي يوضع في العسل كما يقال..
    كل دول العالم (بما فيها فرنسا) تدرّس أبناءها الإنجليزية كلغة أجنبية أولى في الابتدائي إلاّ الجزائر (+ تونس و المغرب) و التي تضيّع أجيالاً من التلاميذ من أجل زرقة عيون ماما فرنسا.
    لقد حان الوقت لإرسال اللغة الفرنسية إلى المزبلة كما فعلت فيتنام مباشرة بعد خروج الاحتلال الفرنسي منها في 1954.