الرأي

الخطاب الحالق.. الذي نخشاه!

محمد سليم قلالة
  • 3980
  • 14

…وكأننا اليوم لم نعد نستمع إلا لخطاب الحِدّة، خطاب البحث عما يفرقنا لا عمَّا يجمعنا. الخطاب الحالق للدين والعرض والأرض.

خطاب التشدد ورفض الآخر وعدم القَبول بالحلول الوسطية، أصبح هو الذي يُحرِّكنا أكثر من خطاب العلم والحكمة والاعتدال والعقل.

خطاب حاد نخوض به معركة ضد بعضنا البعض وكأنها بين عدو وعدوه، لا بين جزائريين أبا عن جد تربطهم رابطة الدين والتاريخ والوطن. هل نحن اليوم بصدد مواجهة أجنبي محتل أو غاز جديد لبلدنا؟ أم بصدد مواجهة بعضنا البعض ونحن لا ندري؟ 

كيف ننسى حقيقة المتربصين بنا من كل جانب، والمستثمرين في خلافاتنا، والمُشجِّعين للتناحر بيننا؟ كيف ننسى أن المعركة الحقيقة ليست بين أبناء الشعب الواحد، بل بين هذا الشعب بجميع مكوناته ومَن يتربص به الدوائر طمعا في نهب ثرواته وإذلاله مرة أخرى؟

لقد جانبنا الصواب بالأمس قبُيل العشرية السوداء عندما تطرفنا في الخطاب ضد بعضنا البعض، وحدث ما حدث لنا، وذهب عشرات الآلاف ضحية ذلك، كانت أغلبيتهم الساحقة من أبناء الشعب البسطاء… ونُجانبه اليوم وسنُجانبه غدا إذا ما تطرفنا في مواقفنا مرة أخرى في مسائل لها علاقة بالهوية أو الدين أو السلطة. وإذا لم نبحث فيما يجمعنا أكثر فيما يُفرِّقنا، أي ما لم نعتمد منهجية إصلاح ذات البين أسلوبا في حياتنا باعتبارها جوهر ديننا وثقافتنا، بدل سياسة إفساد ذات البين التي أصبح يُشيد بها أكثر من طرف؟

مؤشر خطير ينبغي أن نخشاه، هذا الذي أصبحنا نرى الجزائري من خلاله متعلقا بالحِدَّة أو المواقف الصفرية الحالقة، عبر فيديوهات التواصل الاجتماعي، وعبر التعاليق المجهولة في معظمها على الأخبار الالكترونية، وحتى عبر شاشات التلفزيون الوطنية والأجنبية التي يفترض أن تكون أكثر واقعية وانضباطا.

وكأن صوت العقل قد غاب، وكأنه علينا نحن الجزائريين، على خلاف السُّنَن الإلهية، أن نكون صورة نمطية لبعضنا البعض لا تنوع فيها ولا ألوان ولا اختلاف في الدرجات، وأن كل تمايز بيننا أو اختلاف في وجهات النظر، حتى داخل البيت الواحد، هو بالضرورة تنافر وتناحر، وليس تنوعا وتكاملا.

بكل تأكيد إن ضيق الأفق، وغياب الرؤية الشاملة، وضيق مساحة الأمل لدى الناس، وقبل ذلك الجهل الحاكم بيننا والمُطبِق علينا، هو من يُغذِّي هذه الحالة… وليس أمامنا سوى إيجاد الدواء لكل هذا، وأول الدواء هو نشر العلم والوعي بين الناس. هل قرأنا الحديث الصحيح:

” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة”… كم مِناّ سعى لإصلاح ذات البين بدل الاستمرار في الخطاب الحالق هذا ظنا منه أنه يُحسن صُنعا؟

مقالات ذات صلة