-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
علاقات هادئة مع الجميع ومقارعة للعدو الصهيوني

الدبلوماسية الجزائرية.. نصير للقضايا العادلة في العالم

الدبلوماسية الجزائرية.. نصير للقضايا العادلة في العالم

عملت الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال سنة 1962، دورا هاما في الدفاع عن الشعوب المكافحة لنيل الاستقلال والانعتاق من الاستعمار، كما قدمت الكثير لحل النزاعات التي تحصل بين الدول، دون أن تحيد عن المبادئ التي رسختها من تجربة المؤسسين، سواء في الحركة الوطنية وفي ثورة التحرير، وما تجلى في بيان أول نوفمبر، مع حفظ السيادة الوطنية والدفاع عن المصالح العليا للوطن.

مكاسب ونجاعة في الأداء وثبات على المواقف
تمكنت الدبلوماسية الجزائرية طوال عقود من نشاطها، بفضل تاريخها، نجاعتها وثباتها على مبادئها، في حل العديد من الأزمات والتوترات على الصعيدين الإقليمي والدولي، جاعلة من الجزائر بلدا مصدرا لقيم السلم والاستقرار.
وطيلة عقود ستة عملت الدبلوماسية الجزائرية جاهدة على حل مختلف الأزمات، مستندة إلى تجربتها التي تحظى بالاحترام والتقدير على الصعيد الدولي، من جهة، وإلى حنكة وخبرة دبلوماسييها، من جهة أخرى.
من النجاحات الأولى للدبلوماسية الجزائرية، كان إبرام العراق وإيران سنة 1975، اتفاقية حدودية وقّعها صدام حسين نائب الرئيس العراقي آنذاك، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، برعاية الرئيس الراحل هواري بومدين.
وكان سبب اختيار الجزائر لتوقيع الاتفاقية، هو انعقاد مؤتمر القمة للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في الجزائر، وبمبادرة من الرئيس بومدين تم عقد لقاءات بين رضا بهلوي، وصدام حسين، أجريت فيها محادثات تخص العلاقات الثنائية بين البلدين، الأمر الذي أثمر التوقيع على اتفاقية بين “الجارين الخصمين”.
ونجحت الجزائر في المساهمة بشكل كبير في إلغاء نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب إفريقيا، الذي ساد طيلة 43 سنة، حكمت خلالها الأقلية البيضاء المنحدرة من أصول أوروبية، الأغلبية من أصحاب البشرة السوداء المنحدرين من أصول افريقية وهندية، وفق منهج إقصائي.
وامتد نظام الفصل العنصري أو الأبارتايد في جنوب إفريقيا من سنة 1948 إلى 1991، وتولت الدبلوماسية التضييق على نظام “الأبارتايد” في المحافل الدولية تضييقا فعليا واستصدار الإدانات الدولية والأممية، واليوم تعترف جنوب إفريقيا بالجميل ومن ذلك تقاسمها مع الجزائر دعم القضية الصحراوية.
ومن الشواهد المضيئة للدبلوماسية الجزائرية، الدور الحاسم الذي لعبته في حل معضلة الرهائن الأمريكان في طهران، التي تعد واحدة من القضايا الشائكة جدا في حقل الدبلوماسية، وتمكنت الدبلوماسية الجزائرية من حل لقضية، وتحرير الرهائن الأمريكان الـ 52.
لم تنس واشنطن جميل الجزائر اتجاهها، وفي كل سنة توجه الثناء لها، ومن ذلك ما كتبه السفير الأمريكي السابق في الجزائر جون ليمبرت “كواحد من الرهائن الأمريكيين في ذلك الوقت لن أنسى أبدا الخدمة التي قدمها زملاؤنا الدبلوماسيون الجزائريون مثل السفير الراحل رضا مالك في واشنطن والسفير عبد الكريم غريب في طهران إضافة إلى الأطباء الجزائريين في طهران وطواقم طائرات الخطوط الجوية الجزائرية التي نقلتنا من إيران والاستقبال الحار الذي حظينا به ذات صباح في يوم بارد من شهر جانفي في مطار هواري بومدين بالجزائر”.
وواصلت الدبلوماسية الجزائرية عملها لإحلال السلام في القارة السمراء ومن صور ذلك الوساطة التي قامت بها بين اتفاقية السلام بين إريتريا وإثيوبيا الموقعة في الجزائر سنة 2000، بعد حرب ضروس واقتتال عنيف بين الدولتين الجارتين.
وغير بعيد عن القرن الإفريقي، كانت الجزائر حاضرة وبقوة في إعادة السلام للجارة مالي، بعد فترة عصيبة من المواجهات التي نشبت بين الحكومة المركزية في باماكو والحركات المتمردة الأزوادية في شمال البلاد.
والاضطرابات التي جرت مكنت للجماعات الإرهابية من التواجد في مساحات واسعة من شمال مالي، مع هاجس إمكانية تقسيم البلاد، لكن العمل الدبلوماسي الجزائري أبقى الوحدة الترابية في البلاد وابعد شبح الانقسام، وأرسى للسلم والمصالحة مكانا.
وبنفس القدر الذي عملت به لاستتباب الأمن في مالي، كثفت جهودها لحفظ الأمن في ليبيا، التي أنهكها في البداية حلف الناتو ثم المؤامرات من دولة قريبة والأطماع الأجنبية، وطيلة عقد من الزمن رافعت للحل السياسي وبأن يكون الحل ليبيا ليبيا، مع السعي لتعطل المؤامرات الخارجية لإبقاء ليبيا مسرحا لصراع المصالح.
وفي الحرب اللبنانية، كان دور الجزائر حاسما لإنهاء “اقتتال الإخوة” عبر اتفاق الطائف الشهير، وظهرت الجزائر فيه عبر الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي الذي عمل آنذاك عمل مساعداً للأمين العام للجامعة العربية بين سنتي 1984 و1991، وخلال هذه الفترة، عيّنته عام 1989 الجامعة العربية والأمم المتحدة مبعوثهما الخاص إلى لبنان، حيث لعب دوراً أساسياً في التوصّل إلى اتفاق الطائف الذي وضع حدّاً للحرب اللبنانية التي دامت 15 سنة.

فلسطين قضية مركزية وللصحراويين حق في الاستقلال
“نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” تحت العبارة التي خلدها الرئيس الراحل هواري بومدين قيمة القضية الفلسطينية لدى الجزائريين الذين يتواترون مهم الدفاع عنها وتحقيق حلم تأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وهنالك عدة محطات شاهدة على الدعم الجزائري لفلسطين غداة نيل الاستقلال، أن الجزائر من أوائل الدول التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية فتم افتتاح أول مكتب للمنظمة في صيف عام 1965، وفي سنة 1974 تم افتتاح سفارة فلسطينية في الجزائر، وفي نفس العام نالت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة خلال الدورة 29 للجمعية العامة للأمم المتحدة عندما كان الراحل عبد العزيز بوتفليقة رئيسا لهذه الدورة، وفي عام 1975 قامت الجزائر برعاية والتصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 والذي نص على أن الصهيونية حركة عنصرية.
تواصل الجهاد الدبلوماسي الجزائري لصالح فلسطين بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988، وكانت الجزائر أوّل دولة تعترف بدولة فلسطين وذلك في نفس يوم إعلان الاستقلال وقامت بإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة معها بحلول يوم 18 ديسمبر 1988.
والجزائر التي حاربت الاستعمار ودافعت عن حق الشعوب في تقرير مصريها، كانت حريصة على الالتزام بهذا المبدأ، كما هو الحال مع القضية الصحراويين، فالجزائر التي تحتضن اللاجئين الصحراويين في تندوف، تنادي بضرورة تطبيق لوائح الأمم المتحدة بحق الشعوب في تقرير المصير والانعتاق من الاستعمار، ولم تحد يوما عن هذا المبدإ منذ العام 1975.

التحول الكبير.. دبلوماسية الصدمة وإنهاء المنطقة الرمادية
أطلق الرئيس عبد المجيد تبون في حملته الانتخابية التي سبقت وصوله لقصر المرادية، الالتزامات الـ54، والتي شملت نقاطا تخص الدبلوماسية، ومن ذلك “مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية (العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف)”، ووضع معالم دبلوماسية اقتصادية هجومية في خدمة التنمية الوطنية والمؤسسات والمستثمرين العموميين والخواص، وتجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر، علاوة على حماية الجالية الوطنية في الخارج والمغتربين وترقية مشاركتهم في التجديد الوطني”.
كان من الضروري على الرئيس تبون إحداث تعديل على الدبلوماسية الجزائرية بعض “العلل” الذي أصابها لسنوات، وظهرت خلال سنتين منت حكم الرئيس تبون تطوّرًا لافتًا في التّعاطي مع القضايا السياسية الخارجية، إذ تواجه الجزائر العديد من الأزمات “بجرأة وصدامية”، ويظهر من المواقف التي عبرت عنها الجزائر إزاء في عدد من القضايا والملفات، أنها قررت أن “لا وجود فيه لمنطقة رمادية”.
يمكن القول إن الدبلوماسية الجزائرية وتماشيا مع الالتزام 48 للرئيس تبون ومفاده “مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية (العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف)”، قد تحولت من ردة الفعل إلى الفعل والى استباق الأحداث لتفادي وصول الشظايا إليها.
كان من الضروري أن تواجه الدبلوماسية التحديات والمخاطر الماثلة أمامها، خاصة انطلاق قطار التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ووصوله إلى المملكة الغربية التي مكُنت له بعد سنوات “الزواج السري”، وآنذاك كان لزاما أن تدين الجزائر وأن تعارض “العشيقين المتآمرين”.
كان الرئيس تبون واضحا في مسالة التطبيع مع الكيان الصهيوني، أين أعلن رفضه القاطع له، وأكد أن “الجزائر تعارض الهرولة نحو التطبيع”، واتبع ذلك بمواقف ثابتة وداعمة لفلسطين في مواجهة الاحتلال، ومن صور ذلك استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واحتضان الجزائر لسلسلة لقاءات جمعة الفصائل كان الغرض منها تحقيق “المصالحة الفلسطينية”.
واتبعت الجزائر مواجهتها للعدو الصهيوني، بتحرك واسع في الاتحاد الإفريقي لتعطيل مسعاه “تل أبيب” الحصول على عضوية مراقب في “البيت الإفريقي” كما خطط له حليفه المغرب.
هذا الأخير، وبعد توالي المؤامرات التي يقوم بها لضرب استقرار الجزائر، تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية معه قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أوت 2021.
“دبلوماسية الصدمة” تجلت كذلك في الملف الليبي، مع عزم خليفة حفتر المدعوم من قوى عربية وغربية الوصول على العاصمة طرابلس وارتكاب مذبحة هنالك، ثم الإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا، الأمر الذي من شأنه أن يسبب اهتزازات أمنية تصل للجزائر لا محالة، فكان التحرك سريعا بأن “طرابلس خط احمر”، والذي حصل أن “الرسالة الجزائرية وصلت لمن يهمه الأمر”، وتوقف العمل العسكري لحفتر ومن ورائه حلفائه.
الندية والمواجهة، كانت عنوانا بارزا في مسار الدبلوماسية الجزائرية في السنتين الأخيرتين، مع فرنسا واسبانيا، فماكرون الذي شده الحنين إلى الماضي الاستعماري وتعمده محو وجود أمة جزائرية قبل 1830، وجد ردا واسعا اولل سحب السفير الجزائري من باريس، ومنع تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الأجواء الجزائرية، ولم تتراجع الجزائر عن خطوتها، حتى بدأ نزيل الاليزيه بترطيب الأجواء.أما مع مدريد والتي فضل رئيس حكومتها التخلي عن الحياد من قضية الصحراء الغربية ودعمه للاحتلال المغربي، فوجد نفسه أمام سلسلة إجراءات “تأديبية” أدخلته في صراع داخلي مع حكومته ومع البرلمان ومع شعبيه، حتى سعيه لإقحام الاتحاد الأوروبي وبعد ذلك حلف الأطلسي “الناتو” في الخصومة مع الجزائر لم يأتي أكله.
وبقدر المواجهة والندية التي تنتهجها الدبلوماسية الجزائية، فإنها أبقت على علاقات جيدة مع من تسميهم “الأشقاء” والأصدقاء” في صورة تونس وتركيا وايطاليا، إضافة إلى القوى الكبرى في العالم ومن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا.

شهداء الدبلوماسية
النجاح الذي حققته الدبلوماسية طيلة عقود ستة، كان بفضل جهود العشرات من الرجال والنساء، ومنهم من قدم حياته فداء للوطن.
ومن أشهر الذي قدموا حياتهم شهداء وهم في حقل الدبلوماسية وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى الذي يوصف بأنه “امهر الدبلوماسيين”، وحيثيات وفاة بن يحيى تعود إلى شهر ماي من سنة 1982، حيث تحطمت طائرة رئاسية جزائرية كانت تقله والوفد المرافق له وبعثة صحافية، عندما كانت في الأجواء بين العراق وتركيا في مهمة سلام بين العراق وإيران لوقف الحرب التي كانت قد اندلعت بين البلدين في 1980، وكشفت التحقيقات أن صاروخاً عراقياً أصاب الطائرة.
وأظهرت التحقيقات كذلك، أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أمر بإطلاق الصاروخ على الطائرة، وكان يعتقد صدام أن الطائرة تلك كانت تقل وزير الخارجية الليبي عبد السلام جلود، الذي كان يسعى بأمر من القذافي إلى التشويش على الوساطة الجزائرية بين العراق وإيران.
ومرة أخرى يد الإثم تمتد لتطال رجال الجزائر في الخارج، وهذه المرة في العراق، ففي نهاية جويلية من سنة 2005، يتم الإعلان عن استشهاد اثنين من الدبلوماسيين العاملين في بغداد من طرف التنظيم الإرهابي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بعد أسبوع من اختطافهم، ويتعلق الأمر بالقائم بالأعمال الشهيد علي بلعروسي (62 عاما) والدبلوماسي الشهيد عزالدين بن قاضي (47 عاما).
6 أفريل سنة 2012، كان يوما أليما جدا للدبلوماسية الجزائرية، في ذلك اليوم تم الإعلان عن اختطاف الدبلوماسيين العاملين بقنصلية الجزائر في مدينة غاو بشمالي مالي من طرف جماعة التوحيد والجهاد، وفي 30 أوت 2014، أعلن وزير الخارجية آنذاك رمطان لعمامرة “لم يبق هناك أي رهينة جزائري في مالي”، وبهذه بهذه العبارة أكد لها خبر الإفراج عن اثنين من الدبلوماسيين المختطفين وهما مراد قصاص وقدور ميلودي.
وبين التاريخيين كثير من الألم ومن الدم كذلك، حيث قضى القنصل بوعلام سايس شهيدا، إثر مرض مزمن ألم به فترة اختطافه، كما استشهد الدبلوماسي الشاب طاهر تواتي بطريقة بشعة من طرف العناصر الإرهابية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!