-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الدبلوماسية الوقائية.. نقطة التقاء سعودية – جزائرية”

“الدبلوماسية الوقائية.. نقطة التقاء سعودية – جزائرية”

تعريف عام

ارتبط مصطلح “الدبلوماسية الوقائية” بالأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة السيد/ دان همرشولد، ويعني الإجراءات التي تتخذها منظمة دولية أو بعض الدول أو أحياناً دولة بمفردها إما من أجل منع نشوب النزاعات بين الأطراف أو حتى منع تصاعد النزاعات القائمة، وقد كان السيد/ همرشولد ذا رؤية ميالة إلى تفعيل دور المؤسسة الدولية في حفظ السلام بشكل استباقي وقائي.

الدبلوماسية الوقائية نشاط لا يقتصر على المنظومات الدولية المتعددة

يوجد اعتقاد خاطئ لدى البعض بأن الدبلوماسية الوقائية جهد موكولٌ فقط للمنظمات الدولية، بينما يمكن في الحقيقة للدول ذات التأثير الدبلوماسي منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى أن تحقق تأثيراً فاعلاً في هذا المجال متفوقةً في ذلك على تأثير منظمة الأمم المتحدة التي أصبحت مثقلةً ومكبلةً بالعديد من القيود والاعتبارات، بل وحتى الإجراءات الروتينية المفرطة في البطء والتعقيد.

أمثلة على الدبلوماسية الوقائية

ربما أن أول تطبيق عملي للدبلوماسية الوقائية في التاريخ المعاصر كان خلال أزمة قناة السويس في 1956 عندما تدخلت الأمم المتحدة ببعض التدابير العسكرية الدولية المحدودة لفض الاشتباك المسلح، ووضع ترتيبات وقف إطلاق النار موضع التنفيذ تمهيدا لإرجاع الأمور إلى نصابها. كذلك، هناك النموذج الأمريكي-السوفيتي خلال ما سمي بأزمة الصواريخ في كوبا، فهو أحد الأمثلة لنجاح الدبلوماسية الوقائية لتجنب حرب نووية كانت ممكنة حتى اللحظات الأخيرة، ونجحت تلك الدبلوماسية في نزع فتيل تلك الأزمة الخطرة. رياضة كرة الطاولة ايضاً كانت جزءاً مهماً من عمليه دبلوماسية، حيث تم استخدامها لتشكل متغيرا مهما، حيث نجحت في إعادة التواصل بين الصين والولايات المتحدة سياسيا وعودة العلاقات بينهما.

المملكة تستثمر في هذا الملف

شهدت السياسة الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة تعاطياً متزايداً مع ملف الدبلوماسية الوقائية من قبل قيادة المملكة، فلا ننسى مثلا الدور الوازن والعقلاني الذي لعبته إلى جانب الدول الصديقة والشقيقة (ومنها الجزائر العزيزة) في ضبط أسعار النفط كإجراء وقائي لمنع اضطراب أسواق الطاقة وتجنيب الاقتصاد العالمي الانزلاق نحو سيناريوهات غامضة وخطرة.

كذلك، حرصت المملكة على منع تصاعد وتيرة الأزمة في سوريا وخصصت جزءاً كبيراً من القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة في مايو الماضي من أجل تجنب المزيد من التعقيدات وإطالة معاناة الشعب السوري الشقيق. حتى البيئة كان لها نصيب وافر في ملف الدبلوماسية الوقائية السعودية وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال مبادراتها التي طرحتها كالسعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر. على الصعيد الاقتصادي، بادرت المملكة إلى إيداع مليارات متعددة في بنوك مركزية عربية من أجل الحفاظ على عملات تلك الدول من الانهيار وما سينجم عن ذلك من تدهور اقتصادي كارثي.

في الحقيقة، الأمثلة كثيرة على مدى اهتمام المملكة بتفعيل هذا الملف الحساس وجعله أحد أهم الأدوات الدبلوماسية الحديثة للمملكة. في هذا السياق أيضاً، أود الإشارة إلى ما لاحظته خلال قراءتي للمواقف الجزائرية تجاه القضايا الدولية وما لمسته أثناء لقاءاتي المتعددة بالمسئولين وصناع القرار الجزائريين بأنهم يمتلكون ذات البوصلة الدبلوماسية الوقائية، فالجزائر عبر تاريخها المشرق كانت تحرص دائماً على نزع فتيل الأزمات واحتواء الخلافات في المنطقة قبل أن تتفاقم، الأمر الذي يخلق تطلعاتٍ مشروعة نحو غدٍ تتضافر فيه جهود البلديْن من أجل تشكيل دبلوماسية استباقية ووقائية فاعلة وقادرة على تجنيب المنطقة العربية الكثير من الاضطرابات والصراعات المدمرة.

خاتمة

تقول الحكمة الخالدة: “الوقاية خيرٌ من العلاج”، ومن هنا، وأخذاً في الاعتبار الفوائد الجمّة المتوقع تحقيقها فيما لو تم تفعيل ملف الدبلوماسية الوقائية، فإنني أتطلع إلى أن يحظى هذا الملفُ بالبحث العميق خلال اللقاءات التنسيقية المشتركة بين المملكة والجزائر، وأنا على ثقة بأن التعاون الثنائي في هذا الجانب سيفتح آفاقاً غير مسبوقة للعمل المشترك على الساحة الدولية، كما أنه سيكرس دور المملكة والجزائر كدول ذات ثقل إقليمي سياسي واقتصادي في خدمة مصالح المجتمع الدولي وإحلال السلام العالمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!