الرأي

الدرس الإفريقي لمخزن المغرب

حبيب راشدين
  • 8232
  • 17

يحلّ هذا الأسبوع بالرباط المبعوث الأممي للصحراء الغربية السيد كوهلر في آخر محاولة لتحريك مسار المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو المعطل منذ 2012، وقد احتاط لهذه الزيارة بمشاورات مكثفة مع قادة الاتحادين الأوروبي والإفريقي يريد إشراكهما كحليفين في تدوير الزوايا وتليين مواقف الطرفين، أو ليتخذ منهما شاهديْ عدل حين يضطر إلى تحديد مسؤولية الطرف المعطل للمفاوضات.

الرجل ليس مرحَّبا به اليوم في الرباط، رغم كل ما أشاعه المخزن من قبل من ترحيبٍ حقيقي برحيل المبعوث الأممي المستقيل السيد روس، والحفاوة المبالغ فيها بالمبعوث الجديد، ورهان المغرب على الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي غوتيريس، وعلى الريع المرتقب لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وما كان يمنِّي به النفس بتوفير فرص طرد الجمهورية العربية الصحراوية من الإتحاد.

في جعبة المبعوث الأممي كثيرٌ من المآخذ على المملكة: بدءا برفض الترخيص له بزيارة مدينة العيون المحتلة في جولته السابقة، وانتهاء بمحاولات المغرب المتكررة تغيير الواقع على الأرض بمنطقة الكركرات التي كادت أن تقود إلى تجدد المواجهات العسكرية بين الطرفين، وربما يكون السيد كوهلر قد أجل زيارته إلى المغرب إلى ما بعد اختتام أشغال القمة بين الإتحادين الأوروبي والإفريقي التي رسخت العضوية الكاملة للجمهورية العربية الصحراوية، والقمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي التي أجمع فيها الأفارقة على تأييد مسار التسوية وفق قرارات مجلس الأمن المتمسِّكة بمبدأ تقرير المصير.

ولأول مرة  بدأت أصواتٌ في المغرب تناقش ـ ولو على استحياء ـ ما وصفه بعض المحللين المغاربة بخطيئة الالتحاق بالاتحاد الإفريقي وفق شروطه، التي حوَّلت النزاع بين المغرب والبوليساريو إلى نزاع على الحدود بين دولتين عضوين في الإتحاد، ملزمين باحترام قرارات الاتحاد وميثاقه الذي أسِّس على مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية وعلى تسوية النزاعات الحدودية بالطرق السلمية.

وفي هذا السياق، فإن المبعوث الأممي الجديد يمتلك اليوم ما افتقده سلفُه من جهة التقارب الحاصل بين الإتحادين الإفريقي والأوروبي حيال الموقف تجاه هوية الإقليم المتنازع عليه، حيث تقلص هامش المناورات الفرنسية داخل الاتحاد الأوروبي بعد صدور قرار المحكمة الأوروبية الذي اعتبر “اقليم الصحراء الغربية خارج سيادة المملكة المغربية”، ثم إصرار الأفارقة على مشاركة الجمهورية العربية الصحراوية في القمة الخامسة بين الإتحادين دون أن يصدر أي احتجاج من الطرف الأوروبي.

ويظهر من التصريحات الصادرة عن الطرفين أن قيادة البوليساريو تبدو أكثر ارتياحا واستجابة لدعوات المبعوث الأممي لاستئناف المفاوضات من دون قيدٍ أو شرط، فيما وُضعت الدبلوماسية المغربية أمام امتحان عسير سوف يقودها إلى واحد من الخيارين: إما الامتثال لدعوة الأمين العام وقرارات مجلس الأمن بمضمونها الداعم حتى الآن لخيار الاستفتاء كنهاية لمسار المفاوضات، أو الدخول في مواجهة مفتوحة مع الأمم المتحدة لا يمتلك المغرب لها حلفاء كثر، مع ظهور تهديدٍ حقيقي بعودة انفجار الصراع المسلح على خلفية المناوشات داخل الشريط العازل بمنطقة الكركرات.

غير أن أكثر ما يُحرج المغرب اليوم هو تجديد حضور الاتحاد الإفريقي في الملف بوصفه نزاعا بين بلدين عضوين في الإتحاد لم يعُد بوسع الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي تجاهله، مع تعاظم دوره في تسوية النزاعات بالقارة، وتعاونه مع الأمم المتحدة في تأطيرها سياسيا وأمنيا في منطقة مثخنة بالأزمة الليبية المفتوحة، وبأزمة مالي ودول الساحل.

مقالات ذات صلة