-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرئيس ليس وحده في مواجهة “المافيا”

الرئيس ليس وحده في مواجهة “المافيا”

ردُّ الوزير الأول على انشغالات النواب بمناسبة عرضه لبيان السياسة العامّة للحكومة وضع مجددا النقاط على الحروف، بخصوص الإرادة السياسية الصلبة في تحقيق الانتقال الاقتصادي الفعلي، والقطيعة النهائية مع ممارسات العهد المافيوي.

لقد جاءت ردود أيمن بن عبد الرحمان معبِّرة عن رؤية السلطات العمومية، والتي طالما شدد رئيسُ الجمهورية، عبد المجيد تبون، على إنفاذها مهما كان الثمن، لأجل التأسيس لاقتصاد وطني عصري ومتوازن، يحقق استقلالية القرار ويصون المال العامّ ويستجيب لحاجيات المواطنين في آن واحد.

ومن البداية كان الخيارُ واضحًا بالنسبة لرئيس الجمهورية، وهو إعادة ضبط التجارة الخارجية التي جعلت منها باروناتُ الاستيراد غنيمة مغصوبة للثراء غير المشروع، على حساب الإنتاج المحلي والخزينة العمومية، والجزائريون يعلمون القصة الكاملة لصناعة أرباب المال في بلادهم منذ زمن العشرية الحمراء، يوم كانت مصانع الدولة تحترق في وضح النهار، وما سلِم منها تمّ غلقه لاحقا باسم الخوصصة وإملاءات صندوق النقد الدولي.

إن المعركة اليوم مع شبكات الحاويات و”البازار” التي تريد الاستمرار العدمي في رهن مقدرات البلاد لاستهلاك المنتجات والبضائع الأجنبية ليست معركة الرئيس تبون وحده ولا حكومته ومؤسسات الدولة وأجهزتها، بل هي معركة الجزائريين جميعا، مواطنين وأحزاب ونخب وجمعيات نقابية ومتعاملين شرفاء وإعلام وطني، وينبغي أن لا تنطلي مناورات أصحاب المصالح الضيقة على الوعي الجمعي.

قد تكون لبعض التدابير الوقائية للاقتصاد الوطني آثارٌ سلبية مؤقتة، وهي طبيعية في مسار الإصلاحات وتكلفتها عبر كل دول العالم، لأنها تُبنى على أنقاض تراكمات من الأوضاع المعوجّة، لكنها ستكون إيجابية حتما ومضمونة المنافع للصالح العامّ مستقبلًا، وهو ما يفرض على المجتمع استيعاب رهانات الحرب على الفساد مهما كانت مؤلمة أحيانا، لأنها بمثابة العملية الجراحية الاستئصالية التي يعقُبها الشفاء الكامل من المرض الخبيث.

نسمع منذ أشهر دعايات مغرضة تتهم الحكومة بكبح الاستيراد ومنع الجزائريين من بعض الكماليّات، لمجرد أنها عزمت على ضبط الواردات وترشيدها، في إطار خطة واضحة المعالم بهدف “حماية المنتوج الوطني، حتى نؤسس لنسيج صناعي وفلاحي متطور، يشكل دعامة لاقتصاد قوي يضمن لبلادنا أمنها القومي بمفهومه الشامل”، مثلما ورد على لسان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.

لكن اللوبيات التي غرفت من المال العامّ دون أن تشبع، لا يزال يراودها الحلم في العودة المستحيلة إلى الاستيراد الإجرامي وإلى الحاويات الفارغة وشُحنات الحجارة والنفايات، مقابل تهريب ملايير الدولارات إلى حيث يعيشون هم وأبناؤهم في الجنّات الضريبية وعواصم الدنيا الصاخبة بالملاهي.

من الطبيعي أن ينزعج هؤلاء اللصوص، داخل الجزائر وخارجها، من نهج السياسة الوطنية الحازمة في صيانة المال العامّ، والتخطيط لاقتصاد جديد يضمن الأمن الشامل للبلاد والعباد، لأنّ ما يهمهم في النهاية ليس سوى مآربهم الخاصة، ولو ذهب الجزائريون إلى جحيم الفقر والجوع بعد ثقب جيوبهم ونفاد ذخائرهم.

لقد ثارت ثائرتُهم على وضع الحكومة “منصَّة رقمية”، للتدقيق في ملفات الاستيراد، حمايةً للإنتاج الوطني، بهدف التأكد من احترام الشروط القانونية قبل كل عملية استيراد، وفقا لأولويات الاقتصاد الوطني، مع إخضاع هذه الآلية لتقييم دوري قصد تحسين أدائها، ومعالجة الاختلالات الطارئة، وهو ما يُسقط كلَّ الذرائع التي يقدِّمها المرجفون للطعن في جدوى الإجراء أو ادِّعاء تعطيله للتجارة الخارجية، بينما يبقى في الواقع معطّلا للفساد التجاري المقنَّع بنشاط الاستيراد.

وفي السياق ذاته، تقود دوائر المال الفاسد حملة تشويه أخرى ضد السلطات بعنوان السيارات، كأنّ الدولة تريد حرمان مواطنيها من التنعم بمركبة مريحة، بينما لا تقال الحقيقة البيّنة، وهي أن رئيس الجمهورية قطع دابر تحويل الأموال العمومية تحت غطاء التصنيع المزيف، وعازمٌ بصدق على بلورة حلول جذرية للملف الشائك، بما يتجاوز الأخطاء الماضية ويؤسس لصناعة فعلية، بعد سنوات عجاف من استنزاف العملة الصعبة (7.6 مليار دولار في 2012)، من دون الوصول إلى الأهداف المسطّرة في تحقيق الإدماج ولا توفير سيارات بمعايير مقبولة.

صحيحٌ أن المواطن سيشعر لا محالة بالتأثير السلبي لنقص السيارات الجديدة، لكن الأغلبية واعية بضريبة الرهان الوطني مرحليّا وأولوية المصلحة العامّة، خاصة أن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيادي إزاء الاحتياج، بل هي اليوم في مفاوضات جد متقدمة ستنتهي منها في الشهر الحالي مع مصنّعين عالميين يرغبون في الاستثمار ببلادنا، لبناء صناعة حقيقية للسيارات، تعود بالنفع على كل الأطراف، وفق تصريح بن عبد الرحمان.

وليس بعيدا عن ذلك، ما يحدث من افتعال دوري للندرة في مواد واسعة الاستهلاك، بغرض مكشوف لعرقلة توجُّه الدولة نحو بعث الزراعة الإستراتيجية بصحرائنا الكبيرة، وتطوير الفلاحة في شُعب الحبوب والقمح والشعير والصّوجا لبلوغ الاكتفاء الذاتي وفتح آفاق التصدير الغذائي.

لذلك، من الواجب الآن الالتفاف حول إرادة رئيس الجمهورية في تطهير التجارة الخارجية وإعادة تنظيم الاقتصاد بشكل عامّ على أسس واقعية ومنطقية، وفضح شبكات “المافيا” التجارية والمالية التي تبحث عن مصالحها بالاستثمار القذر في هموم المواطن البسيط، وقريبا ستنتصر إرادة الخير والبناء الوطني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!