الرأي

الرهان على الزوج “النوفمبري الباديسي”

حبيب راشدين
  • 1978
  • 18

بكل أمانة وموضوعية، فإن إدارة السلطة الفعلية للأزمة باتت تفرض علينا قدرا من الاحترام والتقدير، سواء من جهة قدرتها على استيعاب حَراك شعبي غير مسبوق، كان قابلا للاختراق السياسي والأمني في أيِّ لحظة، أم من جهة منع سقوط وتفكك ما بقي من مؤسسات الدولة مع ترهُّلها، أم من جهة تحييد التأثيرات الأجنبية، وحرمانها من توظيف الحَراك لزعزعة الاستقرار، أم من جهة تثبيت الجبهة الاجتماعية الداخلية، بضمان استمرار تدفق الخدمات القاعدية بسلاسة، وأخيرا ما أظهرته من مرونة في التعامل مع مطالب المعارضة والحَراك بالتقسيط المريح.
خطاب رئيس الدولة الأخير سمح للسلطة الفعلية بتحقيق انفراج سياسي حقيقي، بطرح مقاربةٍ جديدة للحوار، سحبت البساط من تحت أقدام معارضة كانت تتستَّر على ضعفها بالمزايدة على طلبات الحَراك، بدل المبادرة إلى ترجمتها إلى مشاريع حلول سياسية كانت في متناول اليد في الفترة الانتقالية الدستورية الأولى، لو أن المعارضة أحسنت قراءة موقف مؤسسة الجيش الرافض لأي خروج عن الدستور، لأن ما آل إليه موقفُ المعارضة التقليدية في تجمُّع عين البنيان الأخير هو عينه ما كان مقترحا على المعارضة في خارطة الطريق التي اقترحتها مؤسسة الجيش منذ البداية، وقد رفع الحرج أخيرا عن المعارضة بتحييد مؤسسات الدولة القائمة من الحوار، وفتح آفاق واسعة أمام النخب السياسية والمجتمع المدني للتفرد بإدارة الحوار وبمخرجاته.
ولأنّ السلطة الفعلية راغبة في تسهيل إنتاج الحل، وتمكين البلد من انتخاب رئيس غير مطعون في شرعيته، هو من سيتولى إدارة ورشات الإصلاحات التي تحتاجها البلاد، فقد فاجأت السلطة الفعلية الجميع هذا الأربعاء بتسهيل تحقيق اختراق آخر غير مسبوق، بدعم وصول شخصية من المعارضة لرئاسة البرلمان، من شأنها أن تمنح قدرا كافيا من الضمانات حيال إدارة الفترة التشريعية الحالية، التي سوف تتكفل بنقل مخرجات الحوار إلى تشريعات هامة، تؤمِّن الاستحقاق الرئاسي القادم من العبث والتزوير.
الخطوة قد تكون في المقام الأول عربونا عن استعداد السلطة الكامل لتأمين الحوار القادم من حملات التشكيك والطعن، وهي مؤشرٌ واضح على وجود استعداد تام للتعامل بجدية مع مطالب المعارضة والحَراك، باستبعاد رموز النظام السابق من التأثير على إدارة الحوار، أو محاولة تعطيل مخرجاته التي تحتاج حتما إلى قدر من التجاوب معها على المستوى التشريعي، وان سحب رئاسة البرلمان من يد حزبي الأغلبية بهذه البساطة واليسر، وتسليمها لشخصية من المعارضة محسوبة على التيار الإسلامي يضمر بالتأكيد أكثر من رسالة:
رسالة أولى لأحزاب الموالاة سحبت عنها غطاء ودعم السلطة الفعلية، وقطعت عنها حبل الرجاء مستقبلا من أي دعم تحت الطاولة كان يضمن لها الريادة في واجهة السلطة من غير جهد، ودعتها إلى التشمير على السواعد، والاجتهاد لإعادة كسب ثقة الناخب مثلها مثل بقية الأحزاب، وتيئيسها حتما من فرص الاستثمار في مواقع السلطة الموروثة عن الحقبة السابقة، أو محاولة المساومة بها.
ورسالة ثانية خفيَّة للقوى العلمانية الممانِعة للحل الدستوري، تهددها بإعادة بناء شراكة بين القوى الوطنية والإسلامية، سواء في تدبُّر مرشح توافق في الرئاسيات القادمة، أو في إعادة تجديد مؤسسات الدولة مستقبلا، شراكة لا يكون فيها نصيبٌ للقوى العلمانية المتطرِّفة التي تواصل الرهان على إنتاج فراغ دستوري يحميها من اختبار الصندوق.
وأخيرا رسالة ثالثة لشريحة واسعة من الحَراك رفعت شعار “نوفمبريةـ باديسية” كمرجعيةٍ ثابتة لإعادة بناء مؤسسات الجمهورية الجديدة، بدأت تجد لها رجع صدى في خطابات قائد الأركان، وكانت واضحة في خطابه الأخير يوم الاربعاء، وقد يكون شعارا جامعا لمرشح إجماع وطني، يستند إلى قوة التيار الغالب في المجتمع وفي الحَراك، يحظى بدعم مؤسسة عسكرية تجاهر ملء الفم بانتمائها النوفمبري.

مقالات ذات صلة