-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تساقط الثلوج وتحسّن أحوال الطقس زاد من الإقبال عليها

“الروندوني” متعة في أحضان الطبيعة محفوفة بالمخاطر!

مريم زكري
  • 1379
  • 0
“الروندوني” متعة في أحضان الطبيعة محفوفة بالمخاطر!
أرشيف

بأعالي جبال شيليا بالأوراس وبحيرة الضاية المعلّقة بالمدية والشريعة بالبليدة وصولا إلى جبال جرجرة بالبويرة ونحو أكفادو ببجاية و”بريزينة” أو ما تعرف بـ”أريزونا الجزائر” بولاية البيض، يجوب شبان وعائلات بأكملها عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام لشحن وتجديد طاقة الجسم، والتمتع بمناظر الطبيعة العذراء التي تزخر بها بلانا، رغم ما قد ينجم عن ذلك من مخاطر تحدق بهم، بسبب نقص العتاد والخبرة الكافية لمواجهة أخطار وغضب الطبيعة.
شغف الوصول إلى قمة الجبل هوس يسيطر على هواة التحدي والمغامرات، وممارسي رياضة “الروندوني” الذين لا يأبهون إلى مخاطر قد تلحق بهم خلال تسلق مرتفعات شاهقة، قد يكون الموت فيها أمرا محققا أحيانا وبالرغم من ذلك فإن عشاق هذه الرياضة في تزايد كبير ومن مختلف الأعمار والفئات، فمنهم رضع وكبار السن وحتى النساء الحوامل، يسجلون يوميا إنجازات معتبرة في هذه الرياضة بقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام وسط مخاطر التقلبات الجوية، رغم تحذيرات المختصين، لتجنّب وقوع حوادث تيه أو انقطاع الطرقات والمسالك بسبب الثلوج.

نقص الخبرة والمجازفة يعرض ممارسي هذه الهواية للخطر
وفي السياق، أشار الخبير في السلامة المرورية أمحمد كواش، إلى أن ظاهرة التخييم الجبلي ورياضة تسلق المرتفعات، ازدادت خلال السنوات الأخيرة، أين أصبح هواتها يتجاهلون مخاطرها وعواقب التهور وسط التقلبات الجوية وسوء أحوال الطقس خلال فصل الشتاء، إذ يقدم بعض الشبان على المجازفة بحياتهم دون امتلاكهم للخبرة الكافية من أجل ممارسة هذه الرياضة، مهدّدين بذلك حياتهم للخطر، وأكد حدوث حالات فقدان وضياع الأشخاص أثناء هذه الرحلات خاصة مع فترة التقلبات الجوية، قائلا أن الأمر راجع لغياب احترافية التأطير ونقص الوسائل الشتوية المتطورة، منها أجهزة تحديد المواقع والمركبات والخيم، إلى جانب نقص الخبرة في التعامل مع حالات العزلة لفترة طويلة بسبب العواصف الثلجية وغلق الطرقات، وهذا ما قد يعرضهم لحوادث مختلفة كالانزلاق والسقوط وغيرها، على حد قوله.
وكشف كواش أن المصالح المختصة سجلت حوادث كثيرة لأشخاص تعرضوا لإصابات خطيرة نتيجة السقوط أو مواجهة الحيوانات المفترسة، كما شدّد في نفس الوقت على ضرورة تواصل الوكالات السياحية والنوادي التي تنظم مثل هذه الخرجات مع المصالح الأمنية المختلفة، وضرورة الحصول على تصريح رسمي حول الوجهة المقصودة، لضمان سلامة الأشخاص المرافقين لهم.
وحذّر المتحدث من خطورة المغامرة في حال الطرق المقطوعة والتي لن يفيد في بعض الأحيان طلب النجدة، إذ يحتاج فتح الممرات لوقت طويل وهذا ما يهدّد حياتهم بشكل كبير جدا، إلى جانب ذلك، طالب كواش بتجنّب التنقل أثناء العواصف الثلجية، واختيار فترات الاستقرار الجوي للقيام بالرحلات والمغامرة بأعالي الجبال، شرط أن يكون ذلك تحت تأطير جيّد لمرشدين في مجال السياحة الجبلية.

هيكلة وتأطير الرحلات نحو الجبال لتفادي حالات الطوارئ
من جهته، حذّر الملازم كريم بن حفصي بالمديرية العامة للحماية المدنية، من بعض المخاطر التي تنجم عن الرحلات بالمناطق المرتفعة، وممارسة الرياضات الجبلية في فصل الشتاء، نظرا لسوء الأحوال الجوية التي قد تتغير في أي لحظة.
وأكد حفصي في حديثه لـ”الشروق”، أن تنظيم الرحلات السياحية نحو أعالي الجبال والغابات، تتطلب اتخاذ تدابير خاصة من قبل الوكالات السياحية لضمان عدم تعرض الأشخاص المرافقين لها لأي مكروه، مشدّدا على ضرورة الالتزام بمجموعة من الشروط لتفادي ضلال الطريق.
ودعا المتحدث الجمعيات والنوادي والوكالات السياحية إلى التحلي باليقظة وهيكلة الرحلات، من خلال الاستعانة بمرشد سياحي محترف يسهر على تأمين المجموعة أو الفرقة المتنقلة إلى الغابة.
ونوّه المكلف بالإعلام بالمديرية العامة للحماية المدنية إلى أهمية التمتع بثقافة التبليغ لدى المصالح الأمنية والاتصال بالرقم الأخضر في حال حدوث طارئ، كما أشار الملازم كريم بن حفصي إلى أن التخييم الجبلي يحتاج لمعدات خاصة لتفادي وقوع الشخص في خطر قد يلحق به، أهمها استخدام البوصلة والخريطة التي تساعد على الوصول إلى المنطقة المراد التوجه إليها، وكذا ضرورة جلب أغذية صحية ترافقهم بخرجاتهم اليومية إلى الهواء الطلق، وكذا جلب المعدات الخاصة بالتخييم في البرية التي تساعد على توفير السلامة للأهالي والأسر.

مسنون وحوامل بقائمة المغامرين.. وهذا ما يواجهه هواة تسلق الجبال
ضياع الوجهة والضباب الكثيف من بين المخاطر التي يواجهها هواة “الروندوني” في خرجاتهم، أين يضيع الاتجاه والمسلك خلال العودة، هذا ما صرح به مسير للوكالة السياحية “تيك تور” المتخصصة في تنظيم رحلات نحو الغابات والمرتفعات، وذلك حسبه راجع لغياب مرشدين متمرسين وعلى إطلاع واسع بخبايا المنطقة المقصودة، وكشف عن تعرض مجموعة من الأشخاص مؤخرا لضلال الطريق خلال رحلة قاموا بها نحو منطقة بوغني بولاية تيزي وزو، بسبب الضباب وكذا عدم معرفة الدليل المرافق لهم بخبايا المنطقة جيدا، وبقائهم لفترة طويلة تائهين وسط الأدغال والغابات قبل أن يجدوا مخرجا لمشكلتهم بعد الاتصال بالمصالح الأمنية.
بالمقابل، كشف مسيّر الوكالة في حديثه لـ”الشروق” عن تنظيمه لعدة خرجات عائلية نحو الجبال وفي ظروف مناخية صعبة جدا، مضيفا أنه اصطحب بقائمة زبائنه مختلف الفئات العمرية، كما أنه سمح بتنقل رضيع لم يتجاوز عمره شهريين نحو بحيرة الضاية الجمعة الفارطة، نزولا عند رغبة والدته التي رافقت المجموعة خلال فترة حملها أيضا، قائلا انه رغم انخفاض شديد في درجات الحرارة إلا انه تمكن من توفير خيم مناسبة لتجنب أي مكروه قد يتعرض له الصبي بسبب حالة الطقس التي لا يتحمل حتى شخص بالغ، وصرح المدعو “سليم.ج” بأنه يقوم بتدابير خاصة واحترازية قبل الانطلاق في أي رحلة يبرمجها، وإرسال فرقة خاصة من شباب مرشدين لتفقد المنطقة المقصودة ودراسة مسالكها وتضاريسها، إلى جانب مراقبة أحوال الطقس ومتابعة النشرات الجوية خاصة في فصل الشتاء.
ويضيف المتحدث أن نوعية العتاد الخاص ضروري جدا قبل أي رحلة، منها اختيار الأحذية المناسبة وألوان الألبسة الخاصة بالضباب والخيم وغيرها، كما يتفادى التوغل بالغابات مع الاستعانة بأشخاص يقطنون بالمنطقة التي يتوجهون إليها عادة.
وتحدث مسيّر وكالة “تيك تور” عن طريقة تنظيم هذه الخرجات التي تطبعها حسب قوله أجواء عائلية، بعد نشر إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تضم أسعار الرحلة حسب كل منطقة والتي تتراوح بين 2000 و2500 دج لليوم الواحد، فيما تتراوح خرجات تدوم ثلاثة أيام أو أكثر ما بين 6000 و8000 دج مع احتساب تكاليف النقل والإيواء والإطعام.

إطارات وموظفون يجوبون “البراري” للتخلص من ضغط العمل
بعيدا عن المخاطر المحدقة بهذه الرياضة، إلا أن الكثيرين يرونها ملجأ ومتنفسا لتجديد الطاقة، والهروب من ضغط روتين الحياة المملة بالمدن، وخوض تجارب ومغامرات ممتعة حسب ما حدثت لنا عنه الشابة “سامية” وتعلق الأمر بأستاذة في مادة العلوم الطبيعية بولاية سطيف تبلغ من العمر 27 سنة، حين فضلت الأخيرة الخروج عن المألوف وخوض المغامرات بالبرية وهواية رياضة تسلق الجبال، قائلة إن تجربتها الطويلة في ممارسة هذه الرياضة كانت منذ التحاقها بالجامعة، كما أنها عشقت الطبيعة العذراء بحكم تخصصها في مجال العلوم الطبيعية.
مضيفة أن أول تخييم لها كان بمنطقة بريزينة بولاية البيض، ورغم تردّدها في البداية إلا أنها تشجعت وتحدّت تقاليد المجتمع، وأصبحت ترى الأمر بطريقة مختلفة وتمكنت من تعلم الكثير من الأشياء، أهمها، حسب “سامية”، العيش والتأقلم مع الحياة بأبسط الظروف والمعدات، والتأقلم مع قساوة الطبيعة ومناخها.
من بين الجوانب المهمة في تلك الرحلات التي وصفتها محدثتنا بـ”الممتعة”، كانت فرصة للابتعاد عن الهواتف والألعاب الرقمية والتطبيقات التي تفرغ العقل من تركيزه وتشتّت انتباهه وتدخله في دوامة الإدمان، مضيفة أن التخييم جعلها تتمتع بالسلام النفسي، وتجدد طاقتها خلال العودة في كل مرة إلى وظيفتها.
وعن مغامراتها، تضيف المتحدثة قائلة، إنها شعرت بنشاط غريب حين تمكنت من تسلق ثلاث قمم جبلية في ظرف 3 أيام، وكذا قطع مسافة 24 كلم بمنطقة اكفادو بولاية بجاية سيرا على الأقدام، وهو ما دفعها للمشي لمسافات أطول، كما شاركت محدثتنا في منافسة مشي 52 كلم بحظيرة بلزمة بولاية باتنة، وفي ظروف مناخية صعبة “المطر، البرد، الوحل” مع حمولة ظهر تتجاوز الـ15 كلغ.
وختمت سامية حديثها قائلة إن التخييم ورياضة المشي في الجبال، علمتنا الصبر كما أنها متنفس من ضغوطات العمل وفرصة لكسب الثقة بالنفس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!