-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرياضة والسياسة والمال

الرياضة والسياسة والمال

تشدّد مواثيق الأمم المتحدة على ضرورة أن تقوم الرياضة بنشر السلام والتقارب بين الشعوب، لكن المتتبع للأحاديث الإعلامية حول فريقي الجزائر ومصر يكتشف وجود “استراتيجية” للتفريق بين الشعبين الجزائري والمصري، أساسها “تسويد” صورة الجزائر لدى الشعب المصري، وتحطيم صورة “أم الدنيا”، على حد تعبير نابليون، لدى الشعب الجزائري. فهل يستطيع الفكر القطري أن يمحو جميلة بوحيرد وأحمد بن بلة من ذاكرة الشعوب العربية؟ وهل يستطيع الفكر الجهوي أن يمحو جمال عبد الناصر من الذاكرة العربية؟

  •  دور المخابرات والأقلام القطرية في تحجيم الآخر
  •  
  • يقول صاحب كتاب (الانقلابات) بأن قرار الإطاحة بالرئيس الأسبق أحمد بن بلة تزامن مع تسجيل “بيلي” هدفا في المرمى، وأن التعجيل بتنفيذه هو حضور الرئيس أحمد بن بلة لمباراة رياضية بوهران. وقد أكد لي العقيد أحمد بن شريف (رئيس الدرك آنذاك) ذلك، غير أن العارفين بالأسرار يلمحون إلى خطاب سابق للرئيس جمال عبد الناصر في بور سعيد (أمام المسرح الجزائري)، وبحضور الرئيس أحمد بن بلة قال فيه: “إن الجزائر تكفيكم وتكفيفنا” وأدرك ضباط فرنسا أو حزبها الذي استغل احتضان بومدين له، وتصريحه أثناء انعقاد مؤتمر جبهة التحرير عام 1964، ليدير السلطة من خلف الستار.
  • ولأن رجال المخابرات وقادة الانقلابات لا يؤمنون بالتواصل بين الشعوب، فإن رئيس المخابرات المصرية السابق صاحب كتاب (عبد الناصر والثورة الجزائرية) حاول تحجيم الثورة الجزائرية ورموزها والدور المصري في دعمها، فقد اختصر التاريخ في “مخابرات عبد الناصر” وحاول تشويه الكثير، ولو نجح الانقلاب الذي حضره في ليبيا لربما قدم كتاب آخر سماه “عبد الناصر والثورة الليبية” بالرغم من أنه حاول احتواء القذافي بسبب تزامن وصوله إلى ليبيا مع الإطاحة بالنظام الملكي.
  • ولأن الفكر القطري هو السائد في وطننا العربي فيمكنك حذف اسم البلد من أي تلفزة عربية لتشاهد رئيسها أو زعيمها أو أميرها وهو يصول ويجول في نشرات الأخبار، وأحيانا يغلق ويفتح التلفزيون بصوره.
  • والكثير من القنوات العربية الرسمية للدول التي تتحدث باسم “الأمة العربية” لم تقدم منذ نشأتها لغاية اليوم فيلما عربيا يحمل اسم بلد آخر أو مسلسلا من قطر عربي آخر.
  • وحتى الكتب التي تصدر فيها نجدها تحمل عناوين مثل (تاريخ القصة العربية أو الرواية العربية أو الشعر العربي أو النقد العربي، أو المسرح العربي إلخ…) لا تحمل غير أسماء المبدعين في البلد الذي ينتمي إليه هذا الكاتب أو ذاك، وهناك معرض للكتاب في هذا الشهر في قاعة رياضية حتى تستقطب جمهور الرياضة، ستجدون هذه العناوين التي ذكرتها.
  • لو سألت أي مؤرخ أو كاتب مسرحي عربي عن أول مسرحية عربية سيحدثك عن المسرحية المصرية والسورية واللبنانية وربما الفلسطينية أو الأردنية، ولكنه لن يحدثك عن أول مسرحية صدرت عام 1848 في الجزائر باللغة العربية بالرغم من أن النص الأصلي موجود في بريطانيا.
  • التباهي بالقطرية يكاد يشكل جوهر بعض كتاب كبار الكتاب في بعض الأقطار العربية، ففي عمود لكاتب كبير صادر بعد غزو العراق للكويت، يقول فيه صاحبه -وهو من منشورات الصفحة الأولى- بأن الجزائر مدينة لمصر بأنها صاحبة الفضل في إنجاح الثورة، وتعليم أبنائها بعد الاستقلال، وبسببها تعرضت مصر للهجوم الثلاثي عام 1956م.
  • لو كان لهذا الكاتب ثقافة إسلامية لأدرك أن فرنسا منعت العربية في الجزائر من 1830 لغاية 1947، وأن الفضل في نشر العربية يعود إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين. ولو كان يدافع عن مصر وحرية التعبير لاعترض على منع السلطات المصرية منذ 1952 لغاية الآن لرواية (أولاد حارتنا) لصاحب جائزة نوبل المرحوم نجيب محفوظ، ولو كان هؤلاء القطريون يدافعون عن الرأي الآخر لتساءل:
  • لماذا يكتب الملك فاروق مقدمة بماء الذهب لكتاب نقض الإسلام وأصول الحكم للعلامة محمد خضر حسين وهو جزائري، ويجرد جامع الأزهر المفكر المصري علي عبد الرازق من شهاداته، ويهان وهو من العلماء الأجلاء.
  • أوليس النظام السياسي هو الذي قام بذلك من أجل البقاء.
  • من يتأمل في التعاليق الرياضية في القنوات الفضائية العربية يشعر بأنه أمام »خطاب سياسي« وليس أمام رجال إعلام، ربما لأن »الإعلام الرياضي« لا يدرس في معظم الجامعات العربية، والكتاب الوحيد المتوفر حوله هو للدكتور أديب خضور
  • إن تدني مستوى الإعلام الرياضي باستعماله الدارجة في الجزائر أو بعض الأقطار العربية يعود أساسا إلى فقدان الاهتمام بالرياضة الشعبية والتوجه نحو النجومية التي لا تصنع داخل الفرق المحلية والقطرية وإنما بالتحاق بعض العناصر بالفرق الأجنبية.
  • لبنان صنعت لنا كتابا كبارا ومصر صنعت لنا نجوما في الغناء والسينما، ولكن نجوم الرياضة صنعتهم وسائل الإعلام الغربية، لأن الرياضة في بلداننا يسيرها من لم يلتحقوا بالجامعات، وتستخدمها السلطة لضرب الأحزاب والعمل السياسي.
  •  
  • الحرڤة الرياضية!
  • وعندما تسمع أن عناصر من فريق رياضي رسمي اختفت أثناء وجودها في الغرب، تتأكد من أن »الحرڤة« ليست لها هوية، لكن لتجارها هوية، صحيح أن الفرق الغربية تستعين بالرياضيين الأفارقة والعرب، ولكن الفرق العربية نادرا ما تلجأ إلى ذلك، بسبب »الشوفينية الرياضية« في وطننا العربي.
  • ويعتقد البعض بأن الرياضة ستغطي على غياب النضال في الأحزاب السياسية الذي تتسبب فيه »حالة الطوارئ الدائمة« في العديد من الأقطار العربية، والمضايقات السلطوية للعمل السياسي، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الرياضة مثلما تساهم في وحدة البلد والتعبئة الوطنية قد تؤدي إلى التصادم والجهوية، أو الصراع الطبقي (الأهالي والزمالك نموذجا).
  • ربما استرجعت الجزائر وطنيتها ووحدتها بفضل الرياضة والتنافس، ولكن إذا -لا قدر الله- لم تتأهل إلى المونديال فستكون وباء على النظام القائم، والأمر نفسه بالنسبة لمصر. ويكفي نموذجا أن المعلق المصري الذي اتهم عناصر من الفريق المصري بـ »الدعارة« هو نفسه الذي تطاول على ثوابت الشعب الجزائري.
  • ولكن العيب في القنوات وليس في المعلقين، فالقناة التي تحترم نفسها تبتعد عن “الطعن في الآخر”.
  • إذا كانت الرياضة في كلا البلدين حوّلت الرأي العام إلى مناصر لها، فإن خطاب الأنصار يحمل البعد الديني »إن شاء الله« والتضرع والصلاة من أجل نصرة الفريق، مما يجعلنا نتساءل:
  • هل مجسم كأس العالم الذي دخل بيت “الشروق اليومي” لماذا لم يدخل بيوت وسائل الإعلام الأخرى! وهل يستطيع أحد أن يكون ضد “الصدفة والمفاجأة” في انتزاع هذا الفريق أو ذاك لتأشيرة التأهل للمونديال.
  • الشعوب باقية أما الأنظمة فهي مهددة بالزوال، وتجار الرياضة ومن يتاجر بالرياضيين وصلوا إلى مناصب وزراء ولكنهم لم يدخلوا قلوب المواطنين مثل الذين تاجروا بهم.
  • أعتقد أن من بيته من زجاج لا يحق له أن يرمى الآخرين بالحجارة، ومن يريد أن يمتطي حصانا غير حصانه العربي يبقى مجرد “كمبارس” في ألعاب المونديال. ماذا لو كان لنا فريق عربي واحد من 22 رياضيا ألا نكون قد حققنا لشعوبنا ما لا يحقق المونديال لهذا المرشح أو ذاك.
  • وحتى لا يقول كاتب جزائري بأن القاهرة بناها الجزائريون (الدولة الفاطمية) للرد على من يدعي أن الثورة الجزائرية من “إنتاج القاهرة”(!)، فإننا نقول لمن حوّلوا “الرياضة” إلى سلاح لإشعال الفتنة بين الجزائر ومصر، خذوا العبرة من تركيا وسوريا، فالدولتان تتنافسان بإنتاجهما التلفزيوني (المسلسلات)، وعلى مستوى الكثير من البضائع في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومع ذلك فالمبادرة بإلغاء التأشيرة بينهما قد يؤدي إلى تنامي الدور التركي وعودة تركيا إلى قيادة الوطن العربي بعد أن تراجع الدور المصري، وصارت “الجزيرة” التي وصفها الرئيس المصري “بعلبة كبريت” رائدة للإعلام العربي، وتخيف 22 دولة بما فيها مصر “أم الدنيا” كما وصفها نابليون بونابرت أثناء احتلال فرنسا لها.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!