-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الزكاة في الإسلام أو الحل الاقتصادي المنسي

بشير مصيطفى
  • 6798
  • 13
الزكاة في الإسلام أو الحل الاقتصادي المنسي

نقلت وسائل الاعلام بشكل واسع تحليلنا الأخير في موضوع “زكاة الركاز”، وخصت “زكاة المحروقات ومنها النفط” بالعناية، ولم أكن أتصور أن الموضوع سيلقى رد فعل شعبيا ونوعيا كالذي لقيه….

  • حتى وصلتني اقتراحات من جهات عدة للبدء في حركة جادة الغرض منها تحسيس المسؤولين بالحلول الناجعة التي يزخر بها الفقه الاسلامي لمعالجة ظاهرة الفقر والافلاس والبطالة، ومن بين تلك الحلول “الزكاة” أي الركن الثالث من أركان الدين الاسلامي. فماذا يعني أن يستقطب موضوع “زكاة النفط” كل هذا الاهتمام على الرغم من مضي أكثر من 14 قرنا على تناوله بين أبواب الفقه الاسلامي تحت مسمى “زكاة الركاز”؟ وكيف يمكن تحويل مبدأ “الزكاة” الى فكرة اقتصادية وتطبيقية لصالح توازن الأسواق ودعم التنمية؟   
  • تناول الفقه الاسلامي موضوع زكاة الثروات الباطنة تحت عنوان “زكاة الركاز”، ومعنى الركاز الثروات المركوزة في الأرض بما فيها المساحات اليابسة أو البحرية، وفي لغتنا الدارجة هناك كلمة “الركز” وتعني شد أوتاد الخيمة الى الأرض، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم انصرف الذهن الى موجودات باطن الأرض من الكنوز والذهب، والزكاة عليها بنص الفقه الاسلامي تكون بنسبة 20 بالمئة، ولكن روح الفقه الاسلامي تتجاوز السياق التاريخي الى حقيقة الثروة حيث أن الركاز يتجاوز الكنوز والذهب الى المعادن المكتشفة حديثا كاليورانيوم والفوسفات والمعادن النفيسة والمواد الأخرى كالنفط والغاز. وقليل من الناس من يعرف بأن الزكاة في الاسلام لا تعني السيولة وحدها بل كل مصدر لتحقيق الثروة، وأن أقل نسبة للزكاة تنصب على الثروة التي تأتي بطريق الجهد والعمل أي الثروة العائمة وقدرها 2.5 بالمئة، وكلما نقص عنصر العمل في القيمة زادت نسبة الزكاة مرورا بعتبة 5 بالمئة في المزروعات المسقية يدويا الى 10 بالمئة في المزروعات المسقية بالطبعية الى 20 بالمئة في ثروة الركز وأشهرها اليوم النفط والغاز. وفي الدول الخليجية التي تنتج النفط وحدها أي الدول الخليجية النفطية بلغت عائدات النفط -وحده- العام 2010 مستوى 465 مليار دولار، وعلى أساس محاسبة الزكاة فإن حق الطبقة الهشة من المجمع الخليجي منها يقدر بـ 93 مليار دولار ومع العدد المتواضع لسكان منطقة الخليج فإن الفائض من الثروة لصالح المجتمع يتجاوز المنطقة الى جميع دول العالم الاسلامي على أساس أن الزكاة حق لكل المسلمين في العالم.
  • يمكن للجزائر إلغاء الفقر في نصف دقيقة 
  • قال مصدر رسمي في وزارة الطاقة والمناجم إن عائدات الجزائر من المحروقات العام 2010 وصلت الى 55.7 مليار دولار، ما يعني زكاة للركاز مبلغها 11.4 مليار دولار، وإذا علمنا أن 20 بالمئة من عدد الجزائريين لا يتعدى دخلهم 2 دولارا يوميا، وهو الحد الذي وضعته الأمم المتحدة للدخول الى ساحة الفقر، فإن هذا يعني بأن 7 ملايين محتاج بالجزائر يتقاسمون زكاة النفط وحدها بنصيب 16.3 ألف دولار سنة 2010 وحدها، ويكون نصيب عائلة فقيرة من 6 أفراد، وهو متوسط حجم هذا النوع من العائلات، 97.8 ألف دولار، أي مرتبا شهريا لرب العائلة قدره 8150 دولارا، أي 64 مليون سنتيم. قد يبدو الرقم خياليا وصادما ولكنها الحقيقة التي تكشف عنها “زكاة الركاز” في زمن باتت فيه الحلول الناجعة منسية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا عن بقية مصادر الزكاة مثل الناتج الداخلي الخام للدولة وحجمه 150 مليار دولار، وتوظيفات الدولة في سندات الخزانة الأمريكية وحجمها 43 مليار دولار، وصندوق ضبط الايرادات وحجمه 55 مليار دولار، والاحتياطي من النقد الأجنبي وحجمه لامس سقف 143 مليار دولار؟
  •  حقيقة يصعب علينا تخيل النتيجة، ولكن الأكيد أنه بإمكاننا إلغاء الفقر ببلادنا تماما في نصف دقيقة ، أي في الوقت الذي يتطلبه توقيع رئيس الجمهورية على قرار توزيع زكاة الركاز.  
  • نحو وزارة للزكاة والأوقاف 
  • تؤسس الزكاة لمجتمع مختلف تماما في مجال توزيع الدخل ينسي الدولة أمر الجباية حيث من الخطأ حصر مستحقي الزكاة في فئة الفقراء كما هو شائع في الذهنية الاسلامية العامة، بل ينص القرآن الكريم على أن الزكاة حق دستوري للفقير والمسكين والطالب والموظف والعامل والمسافر والمستثمر المتعثر، أي تلك الفئات التي لها دور في تشكيل الطلب الداخلي على السلع والخدمات والتي تساهم في القيمة المضافة كالمؤسسات المنتجة المعرضة للإفلاس، وتأتي في النص القرآني تحت عنوان “الغارمون”، وهكذا توفر الزكاة على الحكومة عبأ التحويلات الاجتماعية المعرضة للفساد كالخدمات الجامعية وبرامج تطهير المؤسسات ومسح الديون والاعانات الموجهة للمعاقين والمسنين والمنح الاجتماعية للعمال.
  • ويندرج موظفو الجباية المبنية على الزكاة في خانة “العاملين عليها” مما يدعم مردودية الوظيف العمومي، أما تمويل البحث العلمي الذي ما يزال يعيش على ميزانية الدولة فيكون من باب “في سبيل الله”، وهكذا توفر الزكاة للحكومة فرصة ذهبية للتخلص من أعباء مالية اجتماعية كبيرة لا تظهر آثارها في مستوى التنمية في حين يساعد نصيب الغارمين على حفز الطلب على الاستثمار بصورة أكثر نجاعة، بسبب انخفاض درجة المخاطرة الى الصفر.
  • ويتطلب الأمر من أجل إنجاح تجربة الاقتصاد المبني على الزكاة رؤية تطبيقية أكثر منها فقهية، وقد دعونا منذ العام 1990 تاريخ عقد أول ندوة جهوية بالجزائر حول تنظيم الزكاة الى إطلاق بنك أو مؤسسة أو وزارة للزكاة ومعها الأوقاف، وأن يكون الاقتراب المؤسساتي للزكاة مندمجا في النظام المالي للدولة يؤطره قانون للزكاة ومحاسبة للزكاة وإدارة جباية للزكاة ونظام احصائي فاعل للزكاة ومنظومة تدريب بشرية للزكاة على أرقى ما وصلت اليه نظم “الموارد البشرية” وبذلك يمكننا المساهمة في إعادة توزيع الدخل على سلم النجاعة الاقتصادية والاجتماعية، وليس على أساس المنظومة الرأسمالية التي ما زالت تكرس مبدأ التمييز في نسب الضريبة.
  • إننا حقا بحاجة ماسة الى حلول مبتكرة في مجال تنظيم الاقتصاد على أسس أكثر متانة، حلول متوفرة بين أيدينا ولكن يبدو أن فصل الدين عن الحياة لا يزال يشوش على واضعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية في كل ربوع العالم الاسلامي، لأنهم ببساطة يعتقدون بأن الاسلام مجرد رهبانية ونسك، في حين أن كلمة زكاة الثروة وردت في القرآن الكريم 87 مرة كلها منزلة في المدينة رمز الدولة ورمز الدستور ورمز النظام الاقتصادي المتوازن أيضا.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • abdou

    Franchement; C'EST VRAIMENT COMIQUE!

  • بن باديس

    بارك الله فيكم أستاذنا الجزائر في حاجة ماسة لمثلكم و و لمجهودات كل المخلصين الكفوئين واصل وفقك الله و لا تترك أنت وكل الكفاءات المخلصة الساحة فارغة للرويبضات

  • نوري

    المقال جيد وهو عكس ما كتبه صاحب التعليق 1 حيث واضح أن الكاتب أعطى الفرصة للمسؤولين للاستفادة من الزكاة في المدى القصير أي التوزيع والمدى البعيد أي المؤسسات وهذه هي المنهجية الصحيحية ، نورتنا يا مصيطفى

  • رشيد

    السلام عليكم
    الكل مشكور على اهتمامه بالموضوع والنقد البناء طريق يلزم للمضي نحو دراسة علمية اقتصادية آنبية تتوافق مع الشريعة الاسلامية ومنها وضع آليات للتوافق بينهما
    دون اللجوء مباشرة لحلول كسلية, أقترح وضع موقع لتبادل الأفكار تحت اشراف كاتب المقال أو غيره و أرجو تدخل متخصصين, اقتصادين ودينبن.

  • بلال

    السلام عليكم
    شكرا لك يا استاذنا المحترم بشير مصطفى على هذا الموضوع والله لما قرات هذا الاخير قلت في نفسي حكومتنا بحاجة لمثل هذه الكفاءات لانه على ما يبدوا ان حكومتنا كثرت عليها المشاكل كثيرا وهي تلجا دائما الى حلول سياسة الترقاع و التي لا تدوم طويلا واقول اتمنى من الجهات العليا للبلاد ان تستعين فعلا بكفاءاتنا وليس عيبا ان يكون بشير مصطفى او اي شخص آخر له حلول من اجل وطننا العزيز على طاولة مع رئيس الحكومة لفتح نقاش وايجاد الحلول المناسبة
    اتمنى ان يعطوك فرصة للوصول الى اعلى من اجل البلاد

  • abdo

    راني حاير علاه الناس هاربة من الإسلام و هو في صالحهم
    كون غير يديروك وزير الإقتصاد يا مصيطفى

  • Alinto12

    ما دمنا نفصل الدين عن الدنيا ونعمل بالدستور البشري ونترك النور والهداية في القرآن والسنة , سنضل نتخبط في مشاكلنا وتبعيتنا للأنظمة العلمانية الغربية وسيبقى الفقروالبطالة هاجس الجزائريين والمسلمين عموما حتى نرجع إلى القرأن والسنة ونعمل بها ونعض عليها بالنواجذ ولكن قبل ذلك يجب أن نحارب الفساد ودعاة العولمة والرأسمالية وأعداء الإسلام الذين هم كثيرون في بلادنا , فالله لا يغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم .

  • Wald haim

    نحن سلفنا لامريكان 43 مليار argent de poche وتركنا انفسنا في La misere.حقيقة الدولة الجزىرية تحتاج المقاربات مثل هده. بعدان استتمرت افقيا في ال منشئات . تحتاج الي استمار ات عموديةفي الانسان.الدولتنا تضيع زيادة على الامول35 millions algerien x anne x mois x jour x minute

  • هيثم بشيري

    مشكور جدا على المقال.. ولكن سيدي انت تؤسس الى طريقة اخرى لتوزيع الريوع على الفقراء و لكنك لم تركز كيف تساهم الزكاة في انشاء الثروة و تنمية النواتج لأنه باستطاعتنا توزيع الريوع على نسبة كبيرة من المجتمع دون الحاجة الى تطبيق هذا الركن انا هنا لست ضد الزكاة بطبيعة الحال و اريد فقط تفعيل دورها الاقتصادي كأداة و ميكانيزما لحلول اقتصادية و ليس فقط لأنها ركن اسلامي وانت جدير دون غيرك يا استاذ مصيطفى ان تساهم في اثراء هذا الموضوع

  • الفضيل

    السلام عليكم
    والله اني اشد على يد كل غيور على مستقبل الامة الاقتصادي ومقالة الدكتور مصيطفى تحتاج الى تشجيع وليس الى تثبيط العزائم فهو خبير بما يقول ثم من قال ان الاسلام بنظام الزكاة عاجز عن حل المشكلاة المعاصرة اني ارى انه آن الأوان لطرح هذا البديل وهو البديل الطبيعي فبلا ابطاء
    أحيي مرةأخرى استاذنا بشير مصيطفى
    elfodi1429@yahoo.fr

  • ياسين

    بعد التحية و الشكر للدكتور بشير مصيطفى لي اقتراح لو عمل به المسؤولون لكان انفع و اجدى للقضاء على الفقر و كذا العدل في توزيع عائدات الثروة البترولية مثلا لو صرفت الدولة نهاية كل سنة 10.000 دج لكل جزائري مهما كان مستواه حيث لا يكلف الدولة سنويا الا 350.000.000.000 دج و نكون بذلك قد اغلقنا ابوابا من الحاجة و العوز

  • houari

    السلام عليكم
    اولا اود ان اشكر الاستاذ الفاضل على الموضوع القيم و المفيد و اود ان ابدي رايي في بعض النقاط ;
    الأخ محمد الجزائري , ليس من العيب في شئ إستعمال العاطفة في هذا المقام فالأستاذ يحاول الإقناع بحله الذي يؤمن به بحكم تخصصه,و اوافقك الرأي فيما يخص المحسوبية
    و ذلك يا أستاذ ان الإإسلام نظام شامل مبني على اركان و لا يستقيم أن تنجح الزكاة مع منظومة تحارب الإسلام بمنطق;منأرادت أن تلبس الميني..فمهما كان مستوى العاملين عليها من تكوين تكنلوجي فلابد له من ان يتربى على الأخلاق والا..يتبع

  • محمد الجزائري

    مع كل الإحترام لعملك المشكور عليه إلا أن لي ملاحظات على مقالك إن قبلتها فمشكور وإن كان غير ذلك فمأجور :
    - يلاحظ عامة أن المقال كان ذو ميل إلى العاطفة الإسلامية أكثر منه إلى العلمية والتجرد في الطرح وذلك يدل عليه من قولك أن من جهة أن الفقر يلغى فينصف دقيقة ثم تقول أن تطبيق الزكاة يحتاج إلى شروط مسبقة ذكرت بغضها كإطلاق بنك للزكاة ثم إنتظار إندماجه ثم تأهيل الموارد البشرية ثم ...كل دلك في نصف دقيقة
    - لقد أردت أن يحل الزكاة مشكل الفقر وذلك بعد مرور وقت ممكن جدا ،ولكن أن يحل كما تدعي المحسوبية و ز