-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الزلازل.. بين العلم والإيمان

سلطان بركاني
  • 1044
  • 6
الزلازل.. بين العلم والإيمان
ح.م

كانت لحظات مؤثّرة، تلك التي اهتزّت فيها الأرض من تحتنا في هجعة ليلة الخميس الماضي، حينما كان أكثرنا في سباتهم داخل بيوتهم.. هزّات ذكّرت من تذكّر منّا بقول الله تعالى: ((أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)).. هزّة أولى كان مركزها منطقة الحروش بولاية سكيكدة بلغت شدتها 4.7 درجات على سلم ريشتر، تبعتها هزات ارتدادية، وهزّة أخرى كانت في البحر المتوسّط قريبا من ولايتي جيجل وبجاية بلغت شدّتها 6 درجات على سلّم ريشتر، تبعتها هزّات ارتدادية تراوحت شدّتها بين 5 و3 درجات، إلى آخر مساء الخميس.

هزّات أثارت الرّعب في القلوب، واضطرّت النّاس في بجاية وجيجل والمدن القريبة منهما إلى الهروب من بيوتهم في جنح الظّلام للمبيت في الشّوارع.. ألسنٌ تصيح وأخرى تستغفر الله وتسأله اللّطف، وهي تحسّ بأسه الذي لا تستطيع قوة مادية مهما بلغت أن توقفه.. وصدق الله القائل: ((قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين)).

إنّه لا أفضل ولا أنسب للإنسان من أن ينقاد لفطرته ويعترف بضعفه أمام القويّ جلّ في علاه، وبفقره أمام الغنيّ سبحانه، ويفرّ إليه عندما تنقطع أمامه الحيل والأسباب.. ((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين)).. ولا أتعس –في المقابل- من أن يظَلّ الإنسان ماضيا في غفلته، سادرا في غيّه، معرضا عن الله وآياته، قلبه أقسى من الحجر لا يعتبر بالقوارع والآيات، ويزداد الأمر سوءًا عندما يغترّ هذا المخلوق الضّعيف بما عنده من العلم والفهم، ويتّخذ آيات الله هزؤا ويسخر من المنذرين والواعظين.

لعلّ أعظم داءين فعلا في البشرية فعلهما في هذا الزّمان، هما داء قسوة القلوب وداء الغرور.. قست قلوب كثير من البشر في هذا الزّمان وصارت في قسوتها كالحجارة أو أشدّ قسوة. قست وما عادت تعتبر بالنّذر والآيات التي كثرت في هذا الزّمان وتتابعت وتوالت. طغت التفسيرات المادية واغترّ كثير من النّاس بما يعرفونه من أسباب علمية لبعض الظّواهر التي تسمّى “ظواهر طبيعيّة”، وغدا من يربط بين هذه الظّواهر وبين كثرة الظّلم والفساد والذّنوب، يُسفَّه ويُستهزأ به وينظر إليه على أنّه جاهل لا يعلم عن حقائق الأشياء شيئا.. بل قد سمعنا في زماننا هذا وقرأنا لشباب لا هُم في العير ولا في النّفير، من ضحايا التسرّب المدرسيّ، لا يفهمون في الجيولوجيا ولا البيولوجيا ولا في علم الأرصاد قطا ولا قطميرا، يستهزئون بمن يدعو النّاس إلى التّوبة عند الزّلازل.. تتّسع رقعة انتشار الزّلازل على هذه الأرض حتّى تسجّل مراكز الرّصد ما لا يقلّ عن مليون زلزال خلال عام واحد، أكثرها لا يشعر به النّاس، فيتمسّك كثير من أهل الظّاهر بالتفسيرات المادية البحتة، بحركة الصفائح التكتونية، وبكون الزلازل والبراكين ظاهرتين طبيعيتين تسهمان في تفريغ الأرض من الطّاقة الزّائدة حتى لا تنفجر، ويهاجمون كلّ من يتحدّث عن الذّنوب والظّلم والفساد!

نعم، معرفة التفسيرات المادية للأحداث والظّواهر، أمر مطلوب ومحمود، لكنْ أن نقف عند هذه التفسيرات، ونرفض الكلام عن أسباب أخرى لا سبيل لمعرفتها إلا الوحي، فإنّ حالنا حينها ستكون كما قال الله سبحانه: ((فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)).. وكما قال جلّ شأنه: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون)).. العلم نور وفخر للبشرية، لكنّه ينبغي ألا يحمل الإنسان على الغرور؛ فالوقوف على الأسباب المادية لبعض الظّواهر لا ينفي أنّ هناك أسبابا أخرى معنوية.. مشكلة كثير من البشر في هذا الزّمان وبينهم بعض المسلمين أنّهم لا يريدون أن يفهموا أنّ الخالق سبحانه إذا أراد بأسا بعباده، فقد يرسله خارقا لسننه في الخلق والتّدبير، كما فعل بقوم لوط وقوم فرعون وبغيرهم من الأقوام، كما قد يهيئ لبأسه أسبابا مادية معروفة، والوقوف على الأسباب المادية يفترض ألا يحجب العباد عن الاعتبار والاتّعاظ، يقول سبحانه: ((وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا))، ويقول جلّ شأنه: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون))، ويقول الجبّار جلّ في علاه: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))، ويقول الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: “لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.. ويقول الشّفيع المشفّع عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام: “لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن”.

سبر أغوار الكون لفهم سنن الله في تدبير شؤون خلقه، واجب من أعظم الواجبات، يقول الحقّ سبحانه: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق)).. ووالله إنّه لأمر غاية في الأسف أن تتخلّى دول المسلمين عن هذا الواجب، وتصبح عالة في فهم أسرار الكون والحياة وتسخير ما في السّماء والأرض على غيرها من الأمم، بعد أن كانت الأمّة الإسلاميّة الرّائدة والمتبوعة على مدار أكثر من 7 قرون، بسبب هذه العلمانية المعوجّة العقيمة المتخفية خلف قناع الوطنية التي حوّلت بلاد المسلمين إلى أسواق وملاه وملاعب، وشغلت المسلمين بمطاردة لقمة العيش، ورفعت من شأن المغنين والفنانين وحاربت العلماء والمبدعين واضطرّتهم للهجرة إلى بلاد الغرب.. السّعي لفهم الأسباب الكامنة خلف مختلف الظّواهر، واجب كفائيّ، لكنّه ينبغي ألا يحول بين البشرية وبين الاتعاظ بالنذر والآيات، والوقوف على عظمة فاطر الأرض والسّماوات وقوته وشدّة بأسه، والخوف منه سبحانه.. فهم ظواهر الكون ينبغي أن يزيد البشرية يقينا في خالقها ومعرفةً به وبعظمته، وينبغي أن يحمل النّاس على الفرار من حولهم إلى حول الله وطوله: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)).

إنّ الإنسان مهما تطوّر ومهما حلّق في السّماء واكتشف آفاقا بعيدة في الكون، فإنّه يظلّ ضعيفا أمام فاطر الكون ومدبّر شؤونه، بل وأمام بعض مخلوقاته.. ها هو الإنسان ورغم التطوّر الذي بلغه لم يستطيع إلى الآن أن يتنبّأ بالزلازل قبل حدوثها، وكلّ ما يستطيعه العلماء الآن هو تقدير احتمال وقوع زلزال في مكان ما وتقدير مخاطره المحتملة من خلال دراسة حركة الصّفائح المكونة للغلاف الصخري للأرض، والتاريخ الزلزالي للمكان، ولا يزال العلماء عاكفين على تطوير تقنيات حديثة مستعينين بالذكاء الاصطناعي، قد تساعد في التنبؤ بالزلازل.. العجيب في خلق الله أنّ الإنسان وبعد كلّ هذه القرون من وجوده على ظهر الأرض لا يستطيع التنبؤ بالزّلازل، بينما نجد مخلوقات غير عاقلة تتنبّأ بالزّلزال قبل حدوثه، كالحمير والكلاب والفيلة وبعض أنواع الطّيور وحتى ضفادع الطّين؛ ما يبعث برسالة واضحة المعالم مفادها أنّ الإنسان مهما تعلّم فإنّ علمه لا يساوي شيئا أمام علم الخالق سبحانه، ومهما اكتسب من وسائل وأسباب القوة، فإنّه يبقى ضعيفا أمام قدرة القدير جلّ في علاه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • محمد العربي

    كلام هادف و في الصميم لا يستوعبه الا ذو القلب السليم

  • محمد رضا

    هل ولى زمن بوناطيرو، ام سنرى له طلعة اخرى.

  • جلال

    وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ, سورة ابراهيم الآية (8) مقارنة قدرة الخالق بالمخلوق فيها نوع من الشرك الخفي ولقد كتبت أكثر من مرة حسب قراءاتي واستدلالاتي واستنباطاتي: إن الله خلق الكون والقوانين التي تسيره بما فيها من خير وشر ونحن نعيش ضمن هذه النوامس والقوانين, صوروا الله تعالى في الأذهان وكأنه حاكم مستبد يعدّ على المؤمنين عثراتهم ويرسل عليهم الصواعق والزلازل و ملائكته ليعذبوهم مع إن العذاب المقصود لا يكون فقط الا بحضرة نبي أو رسول كُذِّبَ لذلك أدعو دائما الشباب في تعليقاتي الى تأسيس معرفة وفهم جديد لنصوص الكتاب

  • جزائري

    حين أقرأ الخزعبلات أتسائل : ما الفائدة من عقولنا التي وهبنا بها الخالق ؟؟ يقول الحكيم : لم يبقى في القبعة الا علبة فارغة . ا شارة منه للجهل الذي تعشعش في عقولنا حين أصبحنا نحمل فوق أكتافنا رؤوس لا تصلح لشيء .

  • ثانينه

    ثرثره بلاهدف..ان الله عز وجل يحث عباده علي العلم لفهم وتفسير الظواهر الطبيعيه الزلازل الامطار البراكين..ان الدي خلق هدا الكون وتسييره بدقه مثاليه ..ليس بحاجه لدعايتكم ..الله حلق لناهدا العقل لفك هده الالغاز التي تصادفنا في دنيانا..يا معشر الجن والانسان استطعتم ان تنفدوا من اقطار السموات والارض فانفدوا.لا تنفدون الا بسلطان.ومن هنا نري مكانه العلم عند الله ومن هنا نفهم ان هدا الانسان مخير وليس مسير فهو مسؤول عن جميع اعماله ويحاسب عليها يوم القيامه..

  • خالد

    لم يمنع الإسلام معرفة و دراسة ظاهرة الزلزال أو غيرها من الظواهر علميا ؛ الإسلام ينبه الإنسان و يمسح الغشاوة بينه و بين خالقه و يقول له إن الله يعلم حتى بالورقة التي تسقط من الشجرة ( و لك أن تعرف كم من ورقة في الشجرة و كم من شجرة في الدنيا ) و الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( و لك أن تعرف عدد إناث الإنسان ناهيك عن إناث الحيوان و إناث النبات ) هذا الإله كيف لا يكون هو من يعلم بأمر مخلوقاته و كيف لا يكون هو من أمر بما يحدث!؟ بما في ذلك الزلازال !؟ تعالى الله و سبحان الله بكرة و أصيلا.