-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الزلزلة الكبرى بين الحقيقة القرآنية والفرضية الجيولوجية

محمد بوالروايح
  • 3238
  • 1
الزلزلة الكبرى بين الحقيقة القرآنية والفرضية الجيولوجية

القرآنُ الكريم كتابُ هداية وليس كتابَ علم، ولكنه يشتمل على إشارات علمية كثيرة لا توجد في أي كتاب ديني آخر ولا يفقهها إلا الراسخون في العلم الذين مدحهم الله تعالى بقوله: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” (المجادلة 11). إن الإشارات العلمية في القرآن الكريم ليست فرضيات تحتمل الصدق والبطلان وإنما هي حقائق لأنها من وحي الخالق الذي يوصف بالكمال المطلق الذي لا يشوبه نقصان. لقد حاول بعض خصوم الإسلام التشكيك في صحة القرآن الكريم بادِّعاء مناقضته للعلم، ولكنهم لم يجدوا في النهاية بُدًّا من الإقرار بإعجاز القرآن وعجزهم عن فهم أسراره وسبر أغواره.

إن سورة الزلزلة يحفظها المسلمون عن ظهر قلب ولكنّ قليلين من يفهمون دلالات الألفاظ الواردة فيها، يقول الله سبحانه وتعالى: “إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها” (الزلزلة 1، 2). لقد ورد في كتب التفاسير أن الأثقال ما في باطن الأرض من كنوز ودفائن وأموات فعند وقوع الزلزلة، تقذف بها الأرض إلى الأعلى، وهو -كما نرى- تفسير لا يتجاوز المعنى الظاهر إلى الغوص في دلالات اللفظ الذي ينطوي على حقيقة جيولوجية وهي أن عمليات الفرز الثقلي بسبب الحرارة العالية في نواة الأرض ومركزها يسمح بتمركز العناصر الحديدية الأثقل والأكثر كثافة في النواة، بينما تتمركز في الأجزاء العليا من طبقات الأرض الصخور الرسوبية والغرانيتية ثم البازلتية في صخور القشرة الأرضية. لا نجد في كتب الدنيا كلها قديمها وحديثها وصفا دقيقا لهذه الحقيقة الجيولوجية يضاهي وصف القرآن الكريم، وهو دليلٌ على أنه من وحي الله وليس من وضع محمد صلى الله عليه وسلم، فأين لنبيٍّ أمِّيٍّ بُعث في أمّة أمّية أن يدرك هذه الحقيقة التي لم يتوصل إليها علماء الجيولوجيا إلا بعد سلسلة من الأبحاث والتجارب.

إن علم الإنسان علمٌ قاصر فرغم تطوُّر الأبحاث الجيولوجية واختراع أجهزة التنبُّؤ بالزلازل إلا أن هذه الأخيرة ظلت عاجزة عن الإنذار المبكر الذي يحول دون وقوع الكارثة، فالزلازل تأتي بغتة تماما مثل الزلزلة الكبرى، فتكون إما عقابا وإما تخويفا أو امتحانا، حتى تولد في نفس الإنسان الشعور بعظمة الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون.

إن الزلازل التي تحدث في عالمنا اليوم هي صورة مصغَّرة للزلزلة الكبرى التي نؤمن نحن المسلمين بوقوعها ولكننا لا نعلم أيّان مرساها، لأنها مما استأثر الله بعلمه كما في قوله تعالى: “يسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقُلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة” (الأعراف 187). إن علم الإنسان علمٌ قاصر فرغم تطوُّر الأبحاث الجيولوجية واختراع أجهزة التنبُّؤ بالزلازل إلا أن هذه الأخيرة ظلت عاجزة عن الإنذار المبكر الذي يحول دون وقوع الكارثة، فالزلازل تأتي بغتة تماما مثل الزلزلة الكبرى، فتكون إما عقابا وإما تخويفا أو امتحانا، حتى تولد في نفس الإنسان الشعور بعظمة الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون.

لقد أساء كثيرٌ من المسلمين فهم بعض الأحاديث النبوية التي تتحدث عن أشراط الساعة ومنها كثرة الزلازل وربطوا بين الزلازل والمعاصي على الإطلاق، مع أن لعلماء الحديث كلاما عريضا ومستفيضا حول ذلك. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج”، فالزلازل إما أن تكون عقابا كما حصل لقوم لوط الذين شذوا عن الفطرة “فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود” (هود 82)، وإما أن تكون تخويفا كالزلازل التي تضرب المشرق والمغرب ولا تميز بين برٍّ وفاجر، فالقول إن الزلازل عقوبة للعاصي مطلقا قولٌ لا يستقيم وينافي نصوصا حديثية أخرى ورد فيها أن صاحب الهدم شهيد، فكيف يُستساغ الإقرارُ له بالشهادة واتهامه بالمعصية؟. ذكر البزرنجي في أشراط الساعة أنه قد وقع في أول خلافة المتوكل سنة اثنتين وثلاثين ومئتين زلزلة مهولة بدمشق، سقطت منها دور، وهلك تحتها خلقٌ كثير، وحدث مثلها في أنطاكية والجزيرة والموصل وامتدَّت إلى بلاد إسلامية كثيرة. فهل كان جميع أهل هذه البلدان عصاة فاستحقوا هذا العقاب الجماعي؟.

ويستدلّ بعض المسلمين بما وقع في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ رجفت المدينة فقال: “والله ما رجفت المدينة إلا بذنب أحدثته أو أحدثتموه، والله لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا”. لقد كان هذا اجتهادا من الفاروق رضي الله عنه المعروف بشدة ورعه، كما أثر عنه في موت النبي صلى الله عليه وسلم، حين خرج على الناس واستل سيفه وقال: “من يقول مات رسولُ الله ضربت عنقه حتى هدَّأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه من روعه وتلا عليه قوله تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين” (آل عمران 144)، فهدأ عمر وكان وقافا عند نصوص القرآن الكريم.

إن كثرة الزلازل منذرٌ باقتراب الساعة أو نهاية العالم كم يعبَّر عنه في بعض المصادر، فالأرض التي شهدت ميلادنا واحتوت أجسادنا هي التي ستكون مسرحا للأحداث العظيمة التي كشف القرآن الكريم جزءا منها في قوله تعالى: “منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى” (طه 55).

قال علماء الجيولوجيا إن زلزال تركيا وسوريا قد أحدث صدعا أرضيا بطول مائة كيلومتر، وهي مساحة هائلة تنذر باتساع رقعة الزلازل وزيادة وتيرة هذه الأخيرة بما يهدِّد مناطق كثيرة من العالم وخاصة في حوض المتوسط بزلازل متكررة ومدمِّرة. وإذا صحَّ هذا القول فإنه يمكننا حمل فرضية نهاية العالم على محمل الجد، لأن زيادة عدد الزلازل سيقابله زيادة في حركة الصفائح التكتونية وهو ما ينجر عنه بالضرورة دخول العالم في حركة جديدة غير اعتيادية تكون بداية نهاية العالم.

هناك آية في القرآن الكريم تلخِّص العلاقة بين نهاية الأرض وازدهار الحضارة، يقول الله سبحانه وتعالى: “حتى إذا أخذت الأرضُ زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تُغنِ بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكرون” (يونس 24) . ومن الظاهر للعيان أن الأرض قد بلغت أقصى زينتها وخرج على الناس من يدّعي أنه قادرٌ على إفناء العالم. وهذا التفسير هو الحالة الوحيدة التي أتفقُ فيها مع علي منصور الكيالي صاحب التفسيرات الشاذة والغربية للنصوص الإسلامية والذي يقدَّم في القنوات الفضائية على أنه “باحث في الفكر الإسلامي” وما هو من الفكر الإسلامي في شيء.

إن صورة “الأرض الحصيد” في الآية السابقة قد تجلت في صورة مصغرة في الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فقد سُوِّيت البنايات بمن فيها بالأرض وتعالت الأصوات من تحت الركام في مشهد مروِّع تقشعر له الأبدان. إن الأرض التي نحيا عليها ليست ملكا لأحد وإنما هي ملك لله الواحد الأحد “قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون” (المؤمنون 87).

إن الزلزلة الكبرى أو زلزلة الساعة بحسب التعبير القرآني حقيقة قرآنية وهي ركن من أركان عقيدتنا، وقد جلا القرآن الكريم بعض مشاهدها المروِّعة في قوله تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد” (الحج 1، 2). إنّ أبلغ ما وقفتُ عليه في تفسير هذه الآية ما جاء في تفسير “التحرير والتنوير” لمحمد الطاهر بن عاشور رحمه الله: “نداء للناس كلهم من المؤمنين وأهل الكتاب والمشركين الذين يسمعون هذه الآية من الموجودين يوم نزولها ومن يأتون بعدهم إلى يوم القيامة، ليتلقوا الأمر بتقوى الله وخشيته، أي خشية مخالفة ما يأمرهم به على لسان رسوله، فتقوى كل فريق بحسب حالهم من التلبس بما نهى الله عنه والتفريط فيما أمر به ليستبدلوا ذلك بضده”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Imazighen

    ماذا؟ عن البناء والعمران هل؟ فيه حماية وتدبر ...