الرأي

السارق والمسروق!

جمال لعلامي
  • 2318
  • 11

موضوعان يلفتان الانتباه ويدفعان آخر العقلاء إلى شنق نفسه بآخر “ريشة” في “شلاغم” آخر “فرطاس”: الأوّل يتعلق ببيع “الأكفان” التي يتبرّع بها المحسنون، على مستوى المستشفيات، وتغسيل الموتى بالدراهم، والعياذ بالله.. والثاني يخصّ تورّط حكّام كرة القدم في بيع الفوز خلال المباريات للذي يدفع أكثر!

هكذا إذن، “الفساد” وصل حتى إلى الموتى، ومازال مستمرا في الرياضة، وإن كان الفعلان استشريا أكثر بطريقة استعراضية، في سياق تفريخ “مفسدين” جدد في قطاعات ومجالات مختلفة، وهذا راجع للأسف لعدّة أسباب و”مبرّرات”، أخطرها أن السارق “الصغير” يبرّر فعلته بالسارق “الكبير”، ولذلك تنوّعت السرقات بين الدينار والمليار!

عندما تصل السرقة إلى الموتى، فالأمر خطير، ليس لأن العملية تتمّ في المستشفيات، ولكن لأن القلوب ماتت، ودون شكّ هذه الصفة الغريبة ليست من شيّم الجزائريين وأخلاقهم، وقد سمعنا وسمعتم، كيف أن ضحايا، موتى وجرحى، في حوادث مرور، أو كوارث طبيعية، تعرّضوا للسرقة، عندما كانوا يصارعون من أجل البقاء، وبين الحياة والموت، ينتظرون رحمة الله، ومساعدة ذوي البرّ والإحسان!

تكلمنا وتكلمتم كثيرا عن تورط تجار عديمي الذمّة في سرقات مفضوحة، تستهدف الزوالية كلما عاد رمضان، شهر الرحمة والتوبة والغفران، أو الأعياد والمواسم الدينية، وهذه الأخرى، شيمة دخيلة جعلت من “سارق الجيوب”، كائنا غريبا عن مجتمع مسلم ومحافظ، لم يكن هكذا أبدا، والعناصر الشاذة التي كانت تفعل فعلتها الدنيئة، تـُحفظ ولا يُقاس عليها، بل إن أعمالها الشيطانية لا تظهر وتبقى أفعالا معزولة وأقوالا “مهبولة”! 

نعم، لم نكن أبدا هكذا، فما الذي حدث للمجتمع الجزائري، حتى تصبح السرقة مهنة، و”الحقرة” وظيفة، والفساد إبداع، والنهب هواية، والنصب شطارة؟.. مصيبة المصائب أن “أولاد الحلال” أصبحوا في نظر ضعاف النفوس، “جايحين” و”مايعرفوش صلاحهم”، ولذلك عمّت السرقات وتعدّدت وتفنّن السرّاق في أخذ حقوق غيرهم، ومنهم من فقد بصيرته، فاقترف جرائم يندى لها الجبين، من أجل تحقيق مصلحة أو الاستحواذ على غنيمة أو إرث!

هو دور العائلة والمدرسة والمسجد والجامعة والإعلام و”كبار الدوّار”، غابوا جميعا، أو حضر بعضهم مشتتا ومرتبكا، فحضرت الموبقات والجرائم والمفاسد، وتحوّل المجتمع إلى مرتع لإنتاج الرعب والقلق وصناعة جيل مهزوز ومهيّأ في جزء كبير من شرائحه للتأثر بدل التأثير، ولأن يكون تابعا لا متبوعا، وأن يجعل من المخدرات والمهلوسات “منوّما مغناطيسيا” لارتكاب ما يرفض ارتكابه وهو صاح وفي كامل قواه النفسية والعقلية.. فاللهم استر!

مقالات ذات صلة