-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“السانكيام الجديد” يكشف المستور!

“السانكيام الجديد” يكشف المستور!

قبل أسابيع قليلة، رافع محمد ضيف الله، مدير التعليم الابتدائي بوزارة التربية الوطنية، لصالح “نظام تقييم المكتسبات” الموجه لتلاميذ نهاية الطور الابتدائي، وهو ما بات يعرف بـ”السانكيام البديل” عن الامتحان القديم.

وأكد المسؤول التربوي حينها أن الغرض من الطريقة الجديدة هو “إجراء تقييم شامل لكل المواد المدروسة، نظرا لارتباط كفاءاتها بملمح التخرج المنصوص عليه في المنهاج”، من أجل تقديم توصيف حقيقي لمستوى التلاميذ.

بل أكثر من ذلك، فقد تحلّى الرجل بالشجاعة الأدبية ليعلن أمام الرأي العام أن نسبة الإعادة في السنة الأولى من التعليم المتوسط، وارتفاع عدد المتسربين من النظام التربوي الوطني مردّهما، وفق دراسات منجزة، إلى صيغة الامتحان السابقة، والتي تقتصر على منح علامة غير معبِّرة عن مستوى الكفاءات المحدَّدة في المناهج التعليمية.

كلام المدير المركزي يعني بوضوح أنّ النتائج العامة لنهاية المرحلة الابتدائية كانت بميزان التحصيل التعليمي الفعلي مغشوشة عمليّا، بينما الرهان مستقبلا سيكون على النظام التقويمي البديل، وفي هذه الحالة لا يسعنا جميعا إلا مباركة هذا المسعى التنظيمي، لنقبل به مرجعًا منصفا في الحكم للمدرسة أو عليها.

وبهذا الصدد، فإنّ أصداء النتائج الأولية للتقييمات الكتابية التي انتهت أطوارها يوم 25 ماي الماضي، أثبتت مجددا وجود “ضعف قاعدي” في المواد الأساسية الثلاث، وهي العربية والفرنسية والرياضيات، بينما يرجع المفتشون الأمر إلى “عدم امتلاك التلاميذ للكفاءات المستهدَفة”.

أما ملاحظات المُمتحَنين في مادة التربية العلمية والتكنولوجية فقد جاءت هي الأخرى دون الوسط، لضعف قدراتهم على التحليل، مقابل الاعتماد على الحفظ والاسترجاع، وهو ما أكدته فعلا نتائج  التربية المدنية والتاريخ والجغرافيا، إذ مكّنت أغلب المتعلمين من نيل ملاحظات حسنة وجيدة.

لا شكّ أنّ الوزارة ستفتح قريبًا ورشة تقييمية مع إطاراتها التربوية والإدارية لتشخيص أداء النظام الجديد للوقوف على مدى تحقيقه للأهداف المرجوَّة، لكن الأهمّ من ذلك هو انطلاق العمل المستعجل لاستدراك النقائص التي كشفها، أو بالأحرى ثبّتها، منهاج التقويم البديل.

لا يمكن لأحد أن يشكك في إرادة مسؤولي القطاع وحرصهم الكبير على تحسين الأداء التربوي للمدرسة الوطنية، وما اختيارهم لنظام التقييم الجديد، بغضّ النظر عن تحفظات الكثير من الأطراف على جوانبه الإجرائية، إلا دليل آخر على التوجه الصادق نحو البحث عن مخارج فعالة لترقية التعليم، من خلال الوصول إلى صيغة امتحان مبتكرة تسمح بتقييم موضوعي لمكتسبات الناشئة.

صحيح أن ضعف المستوى القاعدي لتلاميذ الجزائر لم يعد خافيًا خلال السنوات الأخيرة، رغم كل “الإصلاحات” المتوالية والإنفاق العمومي الطائل على القطاع، لكن الإقرار الرسمي به كان مُحرِجًا للجميع، لكن الآن لا مفرّ من التعامل مع الواقع، لأنّ الخلل الكبير تمخضت عنه هذه المرة التقييمات المعتمدة بعيدا عن الأحكام السابقة للمختصين التربويين والمكوِّنين والشركاء.

عندما يؤكد النظام التقييمي البديل أن أبناءنا ضعيفو المستوى في اللغات الوطنية والأجنبية والحساب، فمعنى ذلك أن المدرسة الجزائرية فشلت حتى الآن في تحقيق الهدف الرئيس من مرحلة الطور الابتدائي، مثلما تبرهن نتائجهم في المواد العلمية (دون المتوسط) أن إصلاحات الزّيْغ لم تؤت أُكلها في الانتقال بالتلميذ إلى مستوى التفكير التحليلي، إذ لم يبرح دائرة التلقّي والاستظهار.

إنّ هذه المؤشرات الأولية توجب وقفة جادة وصريحة مع الإصلاح الأعرج الذي تحمّلنا وزره لسنوات، لكنّه بات اليوم مرهِقا للمنظومة التربوية كلها، وأول ضحاياه هم التلاميذ المستهدَفون بالتعليم أساسًا، ناهيك عن الأولياء والمدرّسين، ولم يعد مقبولاً الإصرار على استمراره في كل الظروف كأنه قرآن منزّل.

ندرك أن عوامل كثيرة ومتداخلة تؤثر على مخرجات التعليم في كل مستوياته، وليس عقلانيّا اختزالها في سبب محدد، لكن الإجماع شبه قائم على أن أكبر العلل التربوية حاليّا تكمن في برنامج يطغى عليه الحشو ومقررات مثقلة بالزوائد المعلوماتيّة التي لا لزوم لها في سنّ مبكرة، ما أدّى إلى تشتيت التركيز الذهني للتلميذ وتشتيت جهود المرافقة التعليمية، وفي النهاية لم نحقق ما نصبو إليه.

وفي ضوء تلك التقييمات، ينبغي على الأقلّ مراجعة البرامج الابتدائية بصفة عاجلة، انطلاقًا من مستهدَفات هذه المرحلة، لتصحيح الاختلالات قبل فوات الآن، عوض التعويل على الاستدراك بأثر رجعي في الطور الإكمالي، مثلما تفكر به الوصايةُ حاليّا، لأنّ الأصل هو معالجة المشكلة التربوية من جذورها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!