-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“السانكيام” والبديل العقيم

أوحيدة علي
  • 919
  • 0
“السانكيام” والبديل العقيم

لا ندري لماذا لا نعترف بأخطائنا، ولا نصحح هفواتنا، ولا نقبل النقد والانتقاد، ولا الرأي المخالف، ولا النصيحة الصادقة، ولا نستفيد من مسيرة منظومتنا التربوية؟! ولا ندري أيضا لماذا نطبل لكل مسؤول، ونزين له كل اعوجاج، ونحن نعلم علم اليقين أنه سائر بنا إلى هوة لا قرار لها، وعندما يرحل ننسب إليه كل السلبيات والأخطاء؟

قرار حذف امتحان السنة السادسة، واستبداله بقرار يسمح بانتقال %85 من كل مدرسة إلى التعليم المتوسط، فتح الباب لكارثة لم تكن في الحسبان، تمثلت في تهاون المعلمين والمديرين والتلاميذ والأولياء، ما دامت نسبة النجاح تصل إلى %85 مهما كان المستوى التعليمي للمتمدرسين، وبعد سنتين أصبح ينتقل إلى المتوسط من لا يفرّق بين الفعل والاسم والحرف، ومن لا يستطيع تكوين جملة بسيطة.

إذا كان الأمر غير هذا، لماذا نؤيد الرجوع بالمنظومة التربوية إلى الوراء، إلى القرارات الفردية والعشوائية والاستعجالية التي تسبّبت في تفكيكها وفشلها وتأخُّرها وإخفاقها، قرارات حذف الامتحانات، قرارات بترت جذورها، وجفّت ينابيعها، ينابيع المياه التي تجعل كل شيء حيّ.

والذي لا يعرف هذه القرارات لجهله أو نسيانه أو لم يشارك فيها، أذكر بعضها على سبيل المثال:

l لقد أوقفت الوزارة عملية تقييم ميدانية وعملية تشمل جميع الأنشطة والتلاميذ، والسبب هو أن وزارة التربية لم تعلم حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان في ذلك الوقت هو الآمر، وهو المسؤول، والكل يطبق ما يصدر منه أو يوافق عليه. ولكن الحقيقة غير هذا، لأن المتربصين بالمدرسة لديهم يقين أن المدرسة الأساسية ناجحة، وهذا النجاح يقويها ويطيل بقاءها واستمرارها، بينما هم يريدون قلع جذورها واستبدالها بمنظومة أخرى تحافظ على لغة فرنسا وثقافتها.

l قرار حذف امتحان السنة السادسة، واستبداله بقرار يسمح بانتقال %85 من كل مدرسة إلى التعليم المتوسط، وهنا فتح الباب لكارثة لم تكن في الحسبان، تمثلت في تهاون المعلمين والمديرين والتلاميذ والأولياء، ما دامت نسبة النجاح تصل إلى %85 مهما كان المستوى التعليمي للمتمدرسين، وبعد سنتين أصبح ينتقل إلى المتوسط من لا يفرّق بين الفعل والاسم والحرف، ومن لا يستطيع تكوين جملة بسيطة، ومن لا يتمكن من إجراء عملية حسابية بسيطة، وقد وُصفت المدرسة آنذاك في عهد الرئيس بوضياف بـ”المنكوبة”.

l فضيحة البكالوريا سنة 1992 لما كان ابن محمد وزير التربية، لأنه تجرَّأ وأدخل الانجليزية إلى الجزائر بعد أن كوّن 2000 ألفيْ أستاذِ انجليزيةٍ، وبعد أن فضل المواطنون الانجليزيةَ عن الفرنسية بنسبة %80، ولهذا أبعِد الوزير ابن محمد من الوزارة بعد فضيحة البكالوريا في جوان 1992.

l قرار غلق أكثر من ستِّين معهدا تكنولوجيًّا كان يكوِّن المعلمين والأساتذة تكوينا عمليا ميدانيا في مدارس تطبيقية مخصصة لهذا الغرض، أي جففت الينابيع التي تزوِّد المؤسسات التربوية بالمياه الصالحة للتعليم والتعلم.

l أما الآن فالهدف من حذف (السانكيام) هو العمل على تدني مستوى التعليم بطريقة لا يتفطن إليها أحد، طريقة تتمثل في الاعتماد على المعدل السنوي للسنة الدراسية للسنة الخامسة أو جميع السنوات، والنتيجة واحدة، لأن العلامات لا تعبر عن المستوى التعليمي-التعلمي للتلميذ، بل هي عبارة عن أرقام مضلِّلة للتلاميذ والأولياء، والدليل على هذا لمّا ينتقل هؤلاء إلى المتوسط تظهر الحقيقة، ولذلك يجد الأساتذة صعوبات تتمثل في تقديم الدروس ورفع مستواهم، ويشعر الطالب الضعيف بالفشل والتأخر عن زملائه ومن هنا يحتقر ذاته، ويكره الحياة، فيتمرد على زملائه وعلى الأساتذة، وعلى الأسرة بل على المجتمع ككل. ثم نتساءل لماذا ترك الدراسة؟ ولماذا هرب من المنزل؟ ولماذا اختار طريق الانحراف؟ في حين أن السبب الرئيسي والمباشر هي المدرسة التي دفعته بقراراتها وبرامجها وطرائقها إلى هذا المصير المحتوم، مصير لا يمكن تداركه أو معالجته أو التخفيف منه. في حين كان على الوزارة أن تعالج ضعف المتمدرسين من السنة الأولى الابتدائية، ولكنها لم تفكر ولن تفكر في هذا، مادام التلميذ ليس هو الهدف المقصود لديها. والدليل على هذا هو انتقال تلاميذ السنتين الأولى والثانية مهما كان مستواهم، إنه قرارٌ إداري جائر لا علاقة له بالتربية والتعليم.

l لكن المشكل الأكثر خطورة على المنظومة التربوية اللجنة التي نصبتها وزارة التربية لتدرس شكل وصيغة البطاقة التركيبية، والمواد التي تقيمها، ومسار التلميذ من الثانية إلى الخامسة، أو الاكتفاء بالفصول الثلاثة للسنة الخامسة فقط، نقاش فارغ أجوف وعقيم لا علاقة له بالتقييم التربوي، لأن البطاقة التركيبية لا تعكس المسار الحقيقي للمتمدرسين، والسبب قد تكون الأسئلة سهلة وبسيطة فتكون النتائج جيدة في الشكل فقط، لكنها مخالفة للمستوى التعليمي-التعلمي. وقد تكون العلامات مبالغا فيها، ولا تعكس مستوى السنة الخامسة… ولهذه الأسباب نكون قد غالطنا أنفسَنا، والتلاميذ، والأولياء، بل قد قمنا بغش الكل، وزوّرنا الحقائق ونحن نعلم علم اليقين أنها غير حقيقية، وأصحاب الميدان في الابتدائي والمتوسط يعلمون هذا، ولكنهم لا يبوحون به.

وإذا أردنا نفي هذا الحكم، على الوزارة أن تأمر كل متوسطة بصياغة اختبار من مستوى السنة الخامسة الابتدائية للتلاميذ الجدد الوافدين إليها من الابتدائي لتقف على حقيقة مستواهم. لكن هذا التقييم لا يمكن أن تقوم به مؤسسات التعليم المتوسط أو الثانوي، ولا يمكن أيضا أن تأمر به الوزارة لأنه يفضح الجميع، ويفضح تضخيم العلامات، ويفضح تدني المستوى، بل يفضح المشرفين على المنظومة التربوية، ويفضح القرارات الإدارية، ولهذا السبب تم حذف (السانكيام)، واستبدال (البيام)، وإدراج البطاقة التركيبية في الثانوي، إنها أساليب تطمس كل ما هو حقيقي حتى لا تظهر فضائح الكل للمجتمع، هذا رأي، ومن له غير هذا، عليه أن يبصر القراء، ويبين لهم الحقائق، أما أصحاب الميدان فهم أدرى مني ومن الجميع، ولكنهم لا ينطقون، لأن نطقهم يفضح الكل، ويكشف المستور، ويضع حدا للارتجال، ويبعد الكثير من المسؤولين والمشرفين، والمؤلفين، وكل من لا يدري وهو لا يدري أنه لا يدري!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!