-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السفينة الجانحة.. وقفات لا بدّ منها!

سلطان بركاني
  • 1757
  • 2
السفينة الجانحة.. وقفات لا بدّ منها!

اهتمّت وسائل الإعلام العالمية، في الأيام القليلة الماضية، بحادثة جنوح سفينة الحاويات العملاقة “EVER GIVEN”، المسيّرة من طرف شركة EVERGREEN المسجّلة في بنما، في قناة السويس، وبالتطوّرات اليومية للحادثة إلى غاية إعادة تعويمها بعد 6 أيام من الأعمال الشاقّة، وكان لافتا أنّ الأخبار اهتمّت بأسباب الحادث وبمحاولات تخليص السّفينة العملاقة، بينما اهتمّت التحليلات بتأثير اعتراض السفينة لقناة السويس وتوقف الملاحة عبر القناة على الاقتصاد العالمي وأسواق النّفط، واهتمّ بعض المحلّلين بمحاولة الربط بين الحادثة وبين الممرّ المائي الذي يعتزم الصّهاينة شقّه ليكون بديلا لقناة السويس!
يمكننا أن نتّفق على أنّ كثيرا من الأحداث التي تدور رحاها على ظهر هذه البسيطة، إمّا أن تكون مدبّرة أو مستثمرا فيها، لكنّ معرفة الجهات المدبّرة والأطراف المستثمرة ومعرفة أغراضها، يفترض ألا يحول بيننا وبين استخلاص الدّروس وأخذ العبر، لتقييم مسيرة البشرية وما آلت إليه في أخلاقها وعلاقتها بخالقها، وإلا كانت حالنا كمن قال الله في حقّهم: ((أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون)) (التوبة: 126).
حادثة جنوح السفينة “EVER GIVEN”، لم تخل من دروس يمكن أن تستخلص بالابتعاد قليلا عن ضجيج وسائل الإعلام واهتمامها المبالغ فيه بمتعلقات القضية الظّاهرة، والنّظر إلى الأخبار الهامشية التي لا تهتمّ بها أكثر وسائل الإعلام.

الحمولة إذ تفضح الواقع الغربيّ

من الأخبار الهامشية المتعلقة بالحادثة، ما أثارته صحيفة “مترو” البريطانية حول حمولة هذه السفينة البنمية العملاقة التي كانت متوجّهة إلى ميناء روتردام بهولندا، حيث كشفت أنّ السفينة كانت تحمل على متنها 20 حاوية مليئة بالألعاب الجنسية، موجّهة للتسويق في هولندا، بعد نفاد المخزون الذي كثر عليه الإقبال بمناسبة عيد الحبّ!
هذا الخبر يعطي مثالا من بين عشرات الأمثلة التي تدلّ على مدى الانتكاس عن الفطرة والانحطاط الذي وصل إليه الإنسان الغربيّ، بسبب الحرية التي لا يضبطها دين ولا ذوق؛ فلم يُكتف بإباحة الزّنا وتسهيل أسبابه، حتى قنّن الشّذوذ وأصبح خيارا محترما يجرّم من ينكره! وبلغ الأمر إلى حدّ معاشرة الأطفال وحتى البهائم والدّمى والألعاب!
لم يعد غريبا أن ينحدر الإنسان الغربيّ إلى هذا الدّرك ويجنح إلى هذه الانتكاسة التي لم تعرف البشرية لها نظيرا طوال تاريخها، بسبب السعار الجنسيّ ورواج تجارة الإباحية التي غدت من أكثر التجارات المربحة في الأوساط الغربية عامّة، وفي هولندا بصفة خاصّة؛ هذا البلد الذي يعدّ من أكثر البلدان احتضانا للمواقع المنتجة للإباحية وللشّذوذ، حيث سبق لمنظمة “ميلدبونت كيندربورنو” المعنية بالإبلاغ عن حالات الشّذوذ ضد الأطفال، أن أكّدت أنّ أكثر التقارير الرسمية بشأن المواد الإباحية الموجّهة إلى الأطفال أو التي يُستغلّون فيها، موجودة في هولندا! وقد بلغ الهوس بالإباحية في هذا البلد أنّ ساسته تفتّقت قرائحهم عن فكرة شيطانية لصدّ المهاجرين المسلمين عن بلدهم، عندما عمّموا بدءًا من العام 2006م إجراءً يقضي بضرورة خضوع كلّ شخص راغب في دخول البلد لامتحان يكشف قدرته على التأقلم مع “القيم الليبرالية” في هذا البلد الأوروبي، حيث يلزم الممتحَن بمشاهدة لقطات إباحية ويُرصد ردّ فعله، على أساس أنّ هذا السّلوك جزء من ثقافة الهولنديين التي يجب على غيرهم احترامها والتأقلم معها!
لقد صدق في هؤلاء المنتكسين عن الفطرة وعيد إبليس في اجتيال أوليائه وأتباعه عن الفطرة: ((وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا))؛ لم يكتف بإبعادهم عن الزّواج وترغيبهم في الزّنا، حتّى أوصلهم إلى الشّذوذ والبهيمية.. العقلاء في الغرب يدقّون نواقيس الخطر بأنّ الأسرة في طريقها إلى الزّوال وأنّ المجتمعات الغربية أصيبت بالشّيخوخة، لكن لا حياة لمن تنادي، فالبهيمية قد رانت على العقول ولم تترك لها مجالا للتفكير في المآل.
هذا الواقع المخزي هو ما يريد العلمانيون العرب وكلاء الغرب لبلدان المسلمين أن تصل إليه، في ظلّ إصرارهم على الاستهزاء بدعوات حجب المواقع الإباحية ومناداتهم بتحديد النّسل وتقنين الزّنا وإسقاط الولاية والقوامة! بل قد بلغ الأمر ببعضهم إلى حدّ المناداة بإشاعة ثقافة التبنّي بدل الإنجاب! ((وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون)).

أو يوبقهنّ بما كسبوا

درس آخر في حادثة السفينة الجانحة يتعلّق بالسبب الحقيقي في انحراف هذه السفينة العملاقة التي يبلغ طولها 400 متر وتصل حمولتها الإجمالية 224 ألف طن، حيث أكّدت تقارير مطّلعة أنّ سلوك قبطان السفينة في خضمّ الرياح العاصفة التي أثّرت في إبحار السفينة، كان السبب الأهمّ في الحادثة، وهو ما يؤكّد في النهاية أنّ قوة السفينة وعِظم حجمها ووزنها وتزويدها بأكثر وسائل الحماية تطورا، لم تجعلها في مأمن من تأثير الظّروف المحيطة، وهكذا الحال مع كلّ أنواع السّفن التي مهما استغنت عن الرياح في سيرها، فإنّها لن تكون في مأمن من تأثيرها وتأثير عوامل أخرى قد لا تكون في الحسبان، وفي هذا درس للعلمانيين واللادينيين الذين ما فتئوا يسخرون من قول الله تعالى: ((وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)) (الشورى)، حيث يتبجحون باستغناء السفن الحديثة عن الرياح في سيرها، وفاتهم أنّ الآية تتحدّث ابتداءً عن نوع معيّن من السّفن هو السفن الشّراعية التي كانت معروفة في زمن نزول القرآن ولا تزال موجودة إلى الآن، وأمّا السفن التي تستغني عن الرياح في إبحارها، فهي مشمولة بآيات أخرى مثل قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور)) (لقمان)، ولا يختلف عاقلان في أنّ الطّاقة من نعم الله على عباده.. وحتى الآية التي تثار حولها الشّبهة، استعمل فيها لفظ “الريح” للدلالة على رحمة الله التي لا تستغني عنها السفن بمختلف أنواعها، والريح قد تعني الأكسجين الذي لا تستغني عنه محركات السفن، ولا يستغني عنه الإنسان، لذلك جاءت الآيات التي تتحدّث عن علاقة السّفن بالريح، في سياق الحديث عن ضعف الإنسان أمام قدرة القدير سبحانه، حيث سُبقت بقوله تعالى: ((وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))، وأعقبت بقوله جلّ شأنه: ((وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص))، بعد قوله سبحانه: ((أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ))، هذه الآية –خاصّة- التي تؤكّد أنّ السفن مهما كانت في عِظمها كالجبال فإنّها لا تستغني عن لطف الله ورحمته، ولعلّ حادثة السفينة “EVER GIVEN” التي علقت بشموخها وارتفاعها قرب منطقة ريفية، جعلت البشرية تتذكر ما حاق بسفينة التيتانيك المشهورة، التي وُصفت بالسفينة التي لا تغرق، لكنّها غرقت وأدّى غرقها إلى وفاة أكثر من 1500 راكب! ويبقى أنّ المؤمنين يلتفتون في كلّ مرّة إلى الاعتبار بضعف المخلوق أمام قوة وقدرة الخالق، بينما ينشغل المفتونون بطرح الشبهات والإشكالات العقيمة التي يراد بها التشكيك في الدّين وليس تحريض العقول على البحث.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • إسماعيل بابكر الريح السودان

    بعد كل الإمكانيات البشرية والمادية التى وفرت لتحريك السفينة ايفرغريفن فقد صرح رئيس هيئة القناة انهم فى انتظار ساعة المد التى ترتفع فيها المياه ومن المعلوم أن حركة المد مرتبطة بحركة الشمس والقمر وحركة دوران الأرض وكلها من آيات الله "أن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لاؤلى الالباب"

  • رحيم

    عليهم ايضا ان يتذكروا العرب المسلمون المحاصرون بغزة وبفلسطين والانتهاكات الصهيونية بارضنا العربية فلسطين الحبيبة من تهويد لقدسنا العربي الشريف ارض الرسالات وثالث الحرمين واولي القبلتين ومسري ومعراج رسولنا الاعظم محمد عليه الصلاة والسلام .