السيناريو المصري
السيناريو المصري يحبك وينفذ كما تنبأنا به سابقا. بعد أسابيع من السب والشتم في الشعب الجزائري وفي كل مقدساته ورموزه، انتقلوا إلى المرحلة الثانية حيث فتحوا المجال لبعض الأصوات لتقول “لا ما يصحش كدة، دول أشقاء”، ثم جاءت المناسبة الكبرى، التي كنا نعرف أنهم يبحثون عنها، وقد وجدوها بمناسبة مقابلة بانغيلا بين المنتخبين الجزائري والمصري. مجلس الوزراء المصري استغل الفرصة ليطالب وسائل الإعلام المصرية بالالتزام بما سماه “التوازن”، معبرا عن أمله في أن لا تؤثر أحداث المقابلة ونتيجتها على العلاقات بين الشعبين والبلدين.
-
لما قرأت بيان مجلس الوزراء بدرت إلى ذهني عبارة: “صح النوم. أين كنت؟”.
-
ولما قرأت خبر اتصال الوزير المصري للخارجية بمراد مدلسي ليتفق معه على “التعامل بحكمة” مع اللقاء الكروي، تساءلت عن نوع المنطق الذي يتصرف وفقه “الأشقاء” في مصر، وعن الكيفية التي يديرون بها القضايا السياسية، وشكل المقياس الذي يقيسون به علاقاتهم بالآخرين؟
-
التعامل بحكمة؛ يكون مع الذين يعرفون معنى الحكمة، أي مع الحليمين العقلاء المدركين لحقوق غيرهم وحدود صبرهم وقيمة الرموز في حياتهم ونوعية هذه الرموز ومدى رسوخها في عمق المجتمع وكذلك مدى ارتباط أفراد هذا المجتمع برموزه واستعداده للتضحية من أجلها.
-
كل هذه الصفات النبيلة هي غير متوفرة لدى حكام مصر وإعلامييها وفنانيها ومن سار في فلكهم. هذا النمط من البشر ليس له حدود في التعامل بمزاج وأنانية “البلطجية”، فبمجرد أن انتهت المقابلة التي منحهم إياها الحكم حتى عادوا إلى عادتهم السيئة في شتم الجزائر والجزائريين. كنا نظن أنهم استخلصوا الدروس من المرة السابقة، لكنهم وكما قلنا، في مقال سابق بعنوان “كم أنت صغيرة يا مصر”، فاقدين للوعي وللإدراك.
-
الوقوع في المحظور
-
تعلمنا ونحن طلبة في الجامعة، أن من أبجديات السياسة الخارجية أن لا تبادر دولة ما، وأن لا تسمح لأي كان فوق أرضها، بأن يسب أو يشتم أو يهين أي شعب حتى ولو كانت هذه الدولة في حالة حرب معه. كما تعلمنا في مجال الاتصال أن النظام الذكي هو الذي يعرف كيف يستعمل وسائل الاتصال للتفريق بين القيادة السياسية التي يختلف معها وبين الرأي العام الداخلي للبلد المعني. تعلمنا أيضا أنه في حالة التخطيط لحملة اتصالية ضد أية دولة فلا بد من تجنب التعرض للرموز الراسخة في وجدان شعب تلك الدولة وإلا فأن النتائج ستكون عكس ما نريد؛ أخيرا، تعلمنا، في الجامعات الغربية، أن دعاية الكراهية التي تستهدف شعبا كاملا هي دعاية عنصرية وهي ممنوعة قانونا في كل البلدان الغربية وأن القانون يعاقب كل من يستعمل وسيلة اتصال للدعوة إلى القتل.
-
ذلك ما تعلمنها وليس ذلك ما لمسناه في الإعلام المصري. كل وسائل الإعلام المصرية الخاصة منها والعمومية وقعت في المحظور على إثر مقابلة أم درمان. مذيع قناة أربيت راح يصرخ، وبصاقه يتساقط على قميصه، قائلا بالحرف الواحد: “عندنا الجزائريين الموجودين في مصر، نروح ليهم نموتهم”، قبل أن يضيف “حتحصل مصيبة. أولادنا في السودان بيموتو. أرجوكم تدخلوا. أرجوا تدخل سريع. أرجو تدخل سريع. أولادنا في السودان بيموتو من الجمهور الجزائري. الجزائريين بيقتلوا المصريين في الخرطوم”. هو كلام خطير جدا. دعوة صريحة للقتل، يليها تضليل بمعنى الكلمة. كذب وبهتان: الادعاء بأن الجزائريين يقتلون المصريين في السودان، مع أنه في نفس الليلة كان هناك ومن نفس القناة وبنفس المذيعين اتصال مع المستشار الطبي لسفارة مصر بالسودان الذي أكد لهم بأن لا أحد من المصريين “تعور” وإنما هناك فوضى مصرية بمطار الخرطوم بسبب التزاحم على الدخول وتأخر وصول الطائرات لنقل المناصرين المصريين. في دول أخرى تحترم نفسها، وتحترم المهنة الصحفية، ويدرك حكامها معنى الاتصال، في دول كهذه يعاقب الصحفي بالسجن لأنه دعا إلى قتل مواطنين أجانب أبرياء. في نفس الدول التي يوجد فيها قانون فأن قناة كهذه تغلق في الحال وتمنع من البث لأنها مارست التضليل الذي هو ممنوع قانونا. أذكر هنا أن قناة فرنسية (القناة الخامسة) زالت من الوجود، مع بداية التسعينيات، بسبب دورها في فضيحة تيميشوارا. القناة الفرنسية كانت تلاعبت وقتها في تقديم صور وأخبار تدخل في إطار التضليل لإقناع المشاهدين بمعلومات خاطئة فثار ضدها المثقفون والكتاب والصحفيون معتبرين ذلك خطرا على المهنة الإعلامية، مما جعل المعلنين يتوقفون عن الإعلان في هذه القناة التي أصبحت توصف بالكذب، فتوقفت عن البث وتفرق صحفيوها. حدث هذا في فرنسا.
-
الغريب في أمر بلاد الفراعنة أن صحفيا مصريا حكم عليه مؤخرا بالسجن وذلك فقط لأنه فضح بعض الفنانين الذين يمارسون الشذوذ الجنسي في نفس الوقت الذي يشجعون فيه قنواتهم على نشر دعاية الكراهية والحقد ضد شعب قدم الكثير من أجل حماية مصر وشرف مصر.
-
توجد قاعدة معروفة تقول من يملك يسيطر. هذه القاعدة تطبق في المجالات الاقتصادية أما في مجال الاتصال فأن ترسانة القوانين التي وضعتها الدول الغربية وكذلك دور النقابات المهنية تحد من تسلط المالك للوسيلة الإعلامية وتجعله تحت رقابة القانون وضغط المعلنين ورغبات المتفرجين وأخلاقيات المهنة التي تتطلب الكثير من الموضوعية. القنوات التلفزيونية المصرية هي إما ملك للدولة أو تابعة جزئيا للقطاع الخاص، وفي الحالتين لا يحكمها سوى مزاج أهل السلطة والواقفون في فلكهم، وحتى القنوات الخاصة هي مملوكة من طرف أصحاب رؤوس أموال مصالحهم متشابكة مع مصالح رجال السلطة وأبنائهم، خاصة مع الطفل الذي ينتظر التوريث وشقيقه المعروف في مصر برجل الأعمال، لذلك فكل ما يقال في هذه القنوات هو يعبر عن موقف السلطة بما يجعل الأمر يختلف عما يقع في الجزائر بالنسبة للصحف التابعة للقطاع الخاص والتي لها خطها الافتتاحي الخاص بها. معظم الصحف الجزائرية نشأت على إثر صدور دستور 1989، وهي شركات مكونة من الصحفيين أنفسهم أو مملوكة لصحفيين سابقين. وضع الصحافة الجزائرية يجعلها لا تعبر عن موقف السلطة بل عن رأي شرائح واسعة من المجتمع الجزائري.
-
-
كلمات أقوى من الرصاص
-
الكلمة كالرصاصة، عندما تخرج فهي لا تعود أبدا، وقد صدرت عن القنوات المصرية كلمات وعبارات وشتائم وأقوال هي في قوة الرصاص. شتائم قاتلة صدرت عن صحفيين وعن مسؤولين سياسيين وعن فنانين وكل من فهم تدخل علاء مبارك على أنه الضوء الأخضر للضرب ما تحت الحزام. هذا الرهط من العرب اكتفى عبر العقود الماضية من الزمن بمصريته فلم يعرف غيره من العرب ومن البربر الساكنين في المنطقة العربية منذ بداية التاريخ. التاريخ، الذي لا يعرفونه يقول أن الجزائري يقتل من أجل كرامته وأنه يضل يتربص بمن مس شرفه حتى ينال منه وقد مس زبانية أبناء النظام المصري بشرف الجزائريين عندما قالوا عنهم أنهم لقطاء وأن نساءهم يمارسن الرذيلة في الشانزيليزيه. العجيب في أمر هؤلاء أنهم يرمون المحصنات بما هو من ممارسات نسائهم، فالقنوات التلفزيونية المصرية تتعرض باستمرار لظاهرة انتشار الرقيق الأبيض في بلادهم وكيف أن المصري أصبح يتاجر حتى ببناته من أجل بضعة جنيهات. خلال الأسبوع الماضي فقط بثت قناة دريم 2 حصة حول ظاهرة زواج القاصرات مع أثرياء العرب، حيث صرحت إحدى الفتيات المصريات كيف أن ثريا عربيا تزوج مع ثلاثين (30) فتاة قاصرة من نفس القرية، وأن هذه الظاهرة جد منتشرة في المدن والقرى المصرية. أليس هذا عهرا وتجارة في الشرف؟ وأين هي الدولة من شرف المصريين من كل هذا؟ أم هو البقشيش الذي يحدد خيارات أم الدنيا؟
-
أثاروا بغباوتهم وجهلهم للتاريخ، غضب كل أمازيغ المغرب العربي عندما اتهموهم بالعصبية والهمجية، مع أن التاريخ يقول أن هؤلاء البربر كانوا، منذ دخول الإسلام ربوع المغرب الكبير، أحسن وأفضل وأشجع الفرسان ولازالوا كذلك لحد اليوم. الأمازيغ ـ وكاتب هذه الكلمات ليس منهم ـ لا يرضخون ولا يقبلون بالهوان ولا يأكلون من عرق النساء. الجهل بالواقع، جعل المصريين يرتكبون أخطاء قاتلة والتي منها قولهم “دول مش عرب” وكأن العروبة هي اليوم مقياس للإنسانية والتحضر والتطور. إن كانت العروبة تتمثل فيما يمثله هؤلاء فأن عرب الجزائر ـ كاتب هذه الكلمات منهم ـ يتنازلون عنها. عروبتهم اليوم هي مرادفة للتشتت والتخلف والتسلط وتوريث الشعوب برمتها والانبطاح أمام أعداء الأمة.. هل نزيد؟
-
هل كون شعب ما “مش عرب” ينقص من قيمته؟ ثم ماذا فعل هؤلاء العرب للعروبة؟ ألم يبيعوها في سوق النخاسة؟ ألم تحول العروبة عندهم إلى مجرد منشار لا يعرف إلا الأكل في كل الاتجاهات. يأكلون من المساعدات الموجهة إلى الفلسطينيين ويأخذون مع ذلك الصفعات من عند الصهاينة الذين يجبرونهم على حماية الحدود من غضب المقاومين في غزة وفي جنوب لبنان ثم تقوم الصحف الإسرائيلية بنشر فضائحهم. يأكلون من عرب البترول، كما يسمونهم، ثم يبيعونهم ويتندرون عليهم مع أعدائهم. يتناولون فطور الصباح مع الأمريكيين ووجبة الغداء مع الفلسطينيين (المعتدلين) ويتعشون مع السعوديين ويقضون الليل في أسرة باراك وأولمرت وغيرهما. هكذا يتصرف دعاة العروبة اليوم؛ وكل هذا ليس من أخلاق الجزائريين، البربر منهم والعرب. الجزائريون يقولون ما يفكرون فيه ويعملون ما يقولون. أما هؤلاء القوم فقد مردوا على النفاق.
-
ما لا يعرفه هؤلاء هو أن شهداء الجزائر هم شهداء فعلا. الجزائري لا يحتاج لتزوير التاريخ ولا لصنع بطولات وهمية، فهو ليس بالمتبجح بماضيه ولا بالمغرور بقوته مع أن بطولات الجزائر هي بطولات حقيقية ورموزها غير مزورة وهي من صلب وعمق الشعب الجزائري.
-
الجزائريون معروفون ـ لعل ذلك بسبب قربهم من أوروبا ـ بالمنطق، فهم لا يدعون الكبر ولا أمومة الدنيا ولا حتى أبوتها، مع أن كتب التاريخ تتحدث عن من قاوم أبشع أنواع الاستعمار ولم يركع ولم يروض، والحاضر معلوم وكل العالم يعرف من باع القضية العربية ومن رفض التطبيع إلى اليوم، كما تحمل كتب التاريخ إثباتات عن الشعوب التي استطابت الهوان في الماضي وكيف وجد جيش نابليون بونابرت الأبواب مفتوحة لولوج القاهرة والوصول إلى صحن الجامع الأزهر ليجد شيوخه يتحاورون في كيفية كتابة إسم “بونابرت”، هل بالتاء المفتوحة أم بالتاء المربوطة، وإذا كان بالتاء المربوطة فاسمه الحقيقي هو “أبو نبرة” وهو في هذه الحالة عربي وجب الترحيب به وعدم مقاومته؛ هذا مسجل في كتب المصريين وليس من عند الجزائريين.
ــ الحلقة الثانية ــ
- هل نخبر من لا يعرف تاريخ الجزائر أن الجيش الفرنسي العرمرم أوقفته المقاومة الجزائرية بقيادة ابن زعموم، لمدة ثلاث سنوات (من 1830 إلى 1833) عند وادي الحراش، وأن الأمير عبد القادر واجه الجيوش الفرنسية بقيادة أكبر الماريشالات والجنرالات الفرنسيين وانتصر عليهم. هذه المعلومات ليست من عندنا فهي موجودة في كتب ألفها الفرنسيون والأمريكان الذين عايشوا تلك المراحل وعرفوا قوة الجزائري وبطولاته. هل نقارن هذا بما اقترفته قيادات البلدان التي عجزت حتى عن تحرير أراضيها والتي تستقبل أعداء الأمة العربية بالأحضان في نفس الوقت الذي تسمح فيه بتوجيه دعاية الحقد والكراهية ضد شعب كامل. هل نذكركم بأن رئيسكم وجه، من أشهر قليلة، رسالة إلى الرئيس الإسرائيلي يهنئه فيها بذكرى إعلان الدولة الإسرائيلية على تراب فلسطين؟ هل تريدون منا أن نعود إلى أيام الثورة التحريرية الجزائرية لنقول عنكم أشياء أردناها أن تطوى مع الزمن لأنها لا تشرفكم كدولة عربية؟ الله يعلم أننا لا نريد أن نفسد العلاقاتبين البلدين رغم أنها قطعت بين الشعبين.
- الشرخ الكبير
- العلاقات فسدت وانتهى الأمر، فعندما يهدي كاتب جزائري هو محمد لعقاب أستاذ التعليم العالي، الذي تعلم بالعربية وخاض معارك من أجلها، عندما يهدي كتابه المعنون “مصر التي أسقطتها كرة القدم” إلى زوجته لأنها “لم تعد تشاهد المسلسلات المصرية”؛ وعندما تلقي طفلة في سن الرابعة من العمر بشكلاطتها المعتادة عليها من زجاج السيارة، ولما يسألها والدها بحيرة لماذا فعلت ذلك أليس هذا النوع الذي تريدينه كل صباح قبل الذهاب إلى الروضة فتجيبه بكل براءة الأطفال: “هذه شكولاطه مصرية، وأنا لم أعد أحبها”؛ وعندما يصارحني صديقي الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الذي تفرض عليه نشاطاته الإعلامية متابعة ما يبث في مختلف القنوات التلفزيونية، بأن أم أبنائه، وهي أستاذة جامعية، تلومه على مشاهدة القنوات المصرية وتعتبر ذلك “خيانة عظمى”؛ عندما يحدث كل هذا فهل يمكن الحديث عن العلاقات بين الأشقاء؟ أين وجد الشقيق الذي يقول عن شقيقه إنه لقيط؟. وأين هو هذا الشعب الشقيق الذي يقبل أن يسب ويشتم ثم ينسىوتعود الأمور إلى سالف عهدها وكأن شيئا لم يقع؟
- السلطة في الجزائر منعت، منذ نهاية مقابلة أم درمان، القنوات الإذاعية والتلفزية، والتي هي كلها ملكية عمومية، من التعرض لمصر أو الرد على دعايتها بما في ذلك تصريحات الرسميين وابني الرئيس. نفس السلطة الجزائرية وجهت تعليمات، عشية مقابلة نصف النهائي بأنغولا، لوسائل الإعلام العمومي بالحديث عن التهدئة وعن كون المقابلة تجري مع فريق من بلد شقيق وأن العلاقات الجزائرية المصرية هي أعمق من مجرد مقابلة في كرة القدم.. هذا ما فعلته السلطة في الجزائر، لكن ذلك لم ولن يغير من الموقف الشعبي شيئا، ستبقى مصر في ذهن ومخيال الأجيال الجزائرية، من سن الرابعة إلى المائة سنة، مرادفة للبلد الذي شتم رسميوه وإعلاميوه وفنانوه وأبناء رئيسهمالجزائر بشعبها وشهدائها وتاريخها وادعوا حتى أنهم حرروها من الاحتلال الفرنسي.
- لا داعي للكذب على أنفسنا، ولا داعي للنفاق باسم العروبة والأخوة والتاريخ المشترك.. التهدئة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها لن تكون إلا إذا تقدم كل الذين شتموا الشعب الجزائري وشهداءه الأبرار بالاعتذار إلى الشعب الجزائري، وأن تتقدم إدارات كل القنوات التي ساهمت في دعاية الكراهية ضد الجزائر بالاعتذار، وأن تفصل كل الصحفيين الذين تجرؤوا ومسوا مقدسات الشعب الجزائري. بدون هذا فسنظل نكتب ضد مصر الرسمية وضد رجال أعمالها وسياسييها وورثاء حكمها، ونبقى نطالب بمقاطعة فنها وسلعها وشركاتها وسياحتها؛ سنبين سفاهتها لكل العرب، وسنؤلف عن دعايتها النازية والعنصرية كتبا ننشرها باللغات العالمية حتى يعرف العالم الصورة الحقيقية للذين يسيرون من يسمون بلدهم “أم الدنيا”. سنجعل الدنيا كلها تعلم بأن الفكر النازي لا زال منتشرا في أوساط من يسمون أنفسهم بالإعلاميين المصريين، وأن قيادة هذا البلد لا زالت تتحدث صراحة عما يسمى بالشحن الإعلامي.
- كما سنطالب وباستمرار بنقل مقر جامعة الدول العربية من مصر، لأن البلد الذي يأوي مقرات منظمات إقليمية لا بد أن تتوفر فيه الكثير من الشروط والتي منها: النضج في التعامل مع قضايا السياسة الدولية، وكذلك التمتع بشيء من حرية القرار، ومصر لا تتوفر على هذين الشرطين، فكيف لمنظمة عربية أن تقوم بمهامها العربية، وتعمل على صيانة الموقف العربي، والدفاع عن مصالح العرب ومقرها في مصر، ورئيسها مصري، ومصر تحكمها اتفاقيات كامب ديفيد ويسيرها المزاج، وهي تسب وتشتم العرب، وتبني جدارا تحت الأرض لقطع الصلة نهائيا مع شعب غزة العربي، ورئيسها يهدد من يتظاهرون في العواصم العربية ضد الجدار ويستقبل باستمرار أكبر أعداء الأمة العربية ويتحادث معهم ويتفهم مشاكلهم مع المقاومة، كما يعمل بكل ما تبقى له من جهد على خنق المقاومة في جنوب لبنان.
- الصحافة الإسرائيلية تتحدث هذه الأيام عن التنسيق الأمني بين الكيان الصهيوني والقاهرة والذي لم يسبق أن بلغ هذا المستوى مع باقي دول العالم، فكيف للعرب أن يتوحدوا ومنظمتهم مقرها هذا البلد الذي ينسق أمنيا لكشف المجاهدين والمقاومة؟
- مصر التي تمنع قناة “العالم” من البث على النايل سات وتسمح لقناة “الحياة” المسيحية التي تبث دعاية مسيحية موجهة أساسا لتمسيح الشباب المسلمين، وهي نفس القناة التي يعمل بها أحد القساوسة المصريين المعروفين بحقدهم الشديد على الإسلام وهو يقدم برنامجا يوميا يحاول من خلاله إطفاء نور الله بالتشكيك في رسول الإسلام وكتاب الله والتطاول القذر عليهما. كل هذا يحدث في مصر دون أن يرتفع أي صوت قائلا “كفاية”. هل مصر هذه مهيأة لاستضافة مقر لجامعة يقال إنها أنشئت لخدمة القضايا العربية؟
- لماذا النفاق؟ هذه الجامعة إما أن تنقل ويدور منصب الأمين العام وإما أن توأد لأنه، بالمنطق، لا نفهم كيف تدفع الجزائر مبالغ من العملة الصعبة لمؤسسة تستغلها دولة أخرى لتمرير سياسات انبطاحية لا تخدم لا العرب ولا الجزائر.
- يتحدثون اليوم عن العلاقات بين البلدين، فهل لا زالت قائمة؟ إذا كنا نحن الذين جعلنا من مصر، طوال سنوات طفولتنا وشبابنا وكهولتنا، قبلتنا الفكرية والفنية والثقافية، أصبحنا نتقزز من سماع اللهجة المصرية أو قراءة كتاب مصري أو حتى الاستماع لسيدة الغناء العربي التيعشنا على أنغام موسيقاها جل حياتنا، ونسجنا على وقع كلماتها كل أحلامنا. هل بعد هذا، سينظر الأطفال الجزائريون إلى مصر على أنهابلد عربي شقيق؟
- لقد ارتكب حكام مصر أخطاء جسيمة في حق شعبهم وفي مسار علاقات بلدهم المستقبلية مع العرب. إنهم لم يقدروا حجم الشرخ الذي تحدثه الدعاية القذرة على علاقات مصر مع الشعب الجزائري، لعلهم يتصورون أن ردود فعل الجزائريين تجاههم هي كردود فعلهم تجاه إسرائيل التي تهينهم باستمرار ومع ذلك يستقبلون زعماءها بالأحضان. الجزائري هو إنسان “دغري” لا يقبل الهوان، ومهما عملت السلطة السياسية في الجزائر لإعادة الأمور إلى حالتها السابقة ومهما حاولت المحافظة على ما يسمى بوحدة الصف العربي فإن مصر ستبقى، بالنسبة للرأي العام الجزائري، ذلك البلد الذي أهان رموز الجزائر من أجل مجرد مباراة في كرة القدم.