-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تعد مقصد عشاق البُنّ خلال رمضان الفضيل

“الشروق” تلج “دار القهوة” العتيقة بباتنة

الشروق أونلاين
  • 1189
  • 0
“الشروق” تلج “دار القهوة” العتيقة بباتنة
ح.م

غير بعيد عن رحى كالانج، وسط مدينة باتنة، وبالتحديد في شارع يحمل هو الآخر اسم رحى بن فليس، ينتصب محل قديم يسمى متحف القهوة، أو دار القهوة الذي يصطادك برائحته المعبقة، خاصة في الشهر الكريم، حيث لفنجان القهوة سحر مقدس يلي وجبات الإفطار.
يعج المحل الذي بدأ عمله منذ عقود طويلة بعشاق البن الرطب، يزيده ألقا تشكيلات من غلايات ومطاحن قديمة، من بينها رحايات يعود عمرها للقرن الماضي، وأطقم نادرة منها الرمالة التركية التي تصنع القهوة من الرمل والنار.
يدير المحل الشاب، نبيل لحلح، الذي قضى ربع قرن مع روائح البن، حيث تعلم الصنعة رغم اختصاصه الجامعي في الاقتصاد والمالية، من أخواله في مدينة قسنطينة، يساعده شاب من مدينة سطيف، محمد الحسن بن منصور، مكلف بالشؤون العامة وعقد صفقات التموين بخبرة اكتسبها من والده، مسعود بن منصور، بعين ولمان حيث أتقن طرق التحميص.

وصفات ملكية من الهند والحبشة
هنا، يصيح نبيل منبها في تصريح لـ”الشروق اليومي”: “للزبون حرية اختيار طعم قهوته، فأمامه أكياس تعج بأصناف قهوة الأرابيكا والروبيستا، وتشكيلات أخرى من جاكرتا وكولومبيا والبرازيل والكاميرون وإثيوبيا، والهندوراس والبورندي، وأوغندا والكوت ديفوار، والهند.
يجمع الزبون العارف بخبايا الخلطة المرغوبة لأتكفل برحيها. صناعة القهوة فن وشغف، فهي إذن، أقرب للحرفة منها للصناعة الصرفة. لا يتوقف الأمر هنا فحسب، حيث أنتج نبيل أخلاطا جديدة لقيت نجاحا مبهرا لدى عشاق النكهة النادرة، فيوضح مراجعا: “تمكنتُ من إيجاد خلطات طبيعية دقيقة وحساسة بعد تجارب ومحاولات كثيرة تشبه طرق الخيمياء العجيبة. لذا، ثمة صنفان ملكيان رائجان هذا العام، بخاصة في شهر رمضان الذي يكتنز طقوس الاحتفاء المدمن على القهوة، هما جاكرتا 60% وأثيوبيا 40%، وجاكرتا 60% أرابيكا أوغندا 20% وأرابيكا البرازيل 20 %”. بخصوص الأسعار، فهي تتراوح ما بين 1300 و1400 دج للأنواع الكلاسيكية، أما الأنواع الملكية، فهي تقع فوق سقف 1500 دج حتى 1600 دج”. لا يخلو المحل من عشبة الهندباء أو الشيكوري.. وهي تشرب كمنقوع أو تضاف للقهوة لتخفف من نسبة الكافيين بالنسبة للمصابين بارتفاع ضغط الدم، ولتفادي تسارع خفقات القلب.

منافسة غير شريفة
لحرفيي القهوة مشكلة تتطلب حلا عاجلا، حيث يقول نبيل لـ”الشروق اليومي”: “نحن نقتني القهوة الطبيعية الخضراء. وهي تفقد بعد التحميص عدة كيلوغرامات، فمثلا حين أشتري 60 كيلوغراما، فإنها تصبح 49 كيلوغراما، أي بناقص 10 كيلوغرامات، ويكلفني ذلك خسارة تقدر بمليون سنتيم، إذا كان السعر هو 1200 دج، ما يضطرني إلى رفع السعر تعويضا لفارق السعر. أضف إلى ذلك، أن مصنعي القهوة الآخرين لا يخسرون أبدا، فهم يضيفون لها السكر والماء، مستفيدين من رخصة 3%، لكن من يضمن أنهم لا يزودون أكثر من تلك النسبة، وهذه منافسة غير شريفة لنا على مستوى كسر الأسعار، وبالتالي، يتمثل مطلبنا في إلغاء استعمال السكر لأن القهوة حرفة وليست تصنيعا”.
يأتي للمحل زبائن من ولايات مجاورة خصيصا من أجل الخلطات البيو، حيث صادفنا زبائن من عائلة عيشور، الذين قدموا من ولاية سطيف، فاغتنموا حلولهم لزيارة عائلاتهم بباتنة لغنم حصص تكفيهم لأسابيع رمضانية، أسوة بزبائن من نوع خاص يأتون كل ثلاثة أيام بحثا عن البن الأصلي، بما أنهم من أنصار حضارة القهوة.

غير بعيد عن رحى كالانج، وسط مدينة باتنة، وبالتحديد في شارع يحمل هو الآخر اسم رحى بن فليس، ينتصب محل قديم يسمى متحف القهوة،وبين رائحة الأمس واليوم يطلق نبيل زفرة تحسر قائلا: “في السابق، كانت القهوة عباقة تشتم من أماكن بعيدة، ذلك أنها كانت تجنى باليد وتغسل بالماء وتعرض أمام أشعة الشمس مدة عشرين يوما حتى تجف وتتخلص من المياه، لكن ومنذ دخلت الآلة الصناعية صارت القهوة تجنى وتجفف في ثلاثة أيام، وهذا سبب تراجع الرحيق مقارنة بالماضي”.
رغم ذلك، لا يزال محل قهوتي برحى بن فليس آخر متجر يقاوم زحف التكنولوجيا، ويعافر من أجل صيانة رائحة تعلق بالأذهان، قبل أن تتغلغل في الأعماق مرخية الأعصاب ومغذية الدماغ بقطرات تنهي حالة الخمول والكسل.
طاهر حليسي

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!